Introduction to the Quran: Historical Survey and Comparative Analysis
مدخل إلى القرآن الكريم عرض تاريخي وتحليل مقارن
Penerbit
دار القلم
Nombor Edisi
الخامسة (مزيدة ومحققة)
Tahun Penerbitan
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Lokasi Penerbit
الكويت
Genre-genre
بمدى البطولة والتسامح اللذين كان الرسول ﷺ والمسلمين يتحملون بهما سخرية قومهم وسبهم، فضلا عن العزلة والمقاطعة التي فرضت عليهم ووصلت أحيانا إلى أقسى أنواع التعذيب والتنكيل (^١). ولقد أجبر ذلك مئات المسلمين - ومنهم من أشراف قريش مثل عثمان وأم حبيبة بنت أبى سفيان - أن يبحثوا عن ملجئ أمين (^٢) بالقرب من ملك الحبشة. ولكن المثل الأخاذ في هذه الحقبة، الذي يدل على الأثر العجيب لهذا النداء السلمي، ضربه لنا سكان يثرب (التي أطلق عليها «المدينة» فيما بعد). فمن قبل أن يروا وجه الرسول الكريم ﷺ، ومن قبل أن يسمعوا صوته الندي، وبمجرد أن سمعوا التنزيل القرآني على لسان حجيجهم، أقبل عرب المدينة على الإسلام، وتلقوا القرآن بشغف، حتى أنه لم تبق أسرة واحدة إلا وكان من بين أفرادها عدد من المؤمنين. وأكثر من ذلك أن العداوات والخصومات التي ظلت سائدة بينهم ما يقرب من ربع قرن (^٣)، قد انطفأت فجأة بنفحة ربانية (^٤) وبعد أن كانوا أعداءا بالأمس أصبحوا بنعمة الله إخوانا (^٥). وفي نفس الوقت بدأت العبادات الإسلامية - التي لم تمارس علانية بمكة بسبب الإضطهاد - تقام جماعة وعلى مرأى ومسمع من الناس جميعا (ومنها صلاة الجمعة كان يؤمهم فيها أبو أمامة قبل الهجرة بعام). ففي هذا الوسط الكريم استقبل جميع المسلمين تقريبا بحفاوة وترحاب، بعد أن تركوا ﴿دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ﴾ (^٦)، وبعد أن أوذوا بمكة أشد الإيذاء.
_________
(^١) مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [النحل: ١٠٦] وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللهِ [العنكبوت: ١٠].
(^٢) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل:
١١٠].
(^٣) «مهد الإسلام قبيل الهجرة» مؤلفة لامنز، ص ٢٦٥ Lammesn،‘‘Berceau de l'Islam ''
(^٤) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الأنفال: ٦٣].
(^٥) إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوانًا [آل عمران: ١٠٣].
(^٦) الحشر: ٨.
1 / 58