رسول الله ﵌، لا أنَّه توسل به كما يتوسل القبوريون بالأموات، ولا قال عمر: أسألك بحق العباس؛ بل هو مثل طلب الصحابة النبي ﵌ أن يستسقي لهم، فهذا غير محل النزاع.
قوله: "لأنَّ الطلب إنَّما هو من الله".
أقول: هذا هو الحق لكن التوسل إليه بالمخلوقين شيء لم يأذن الله لعباده به فهو بدعة، وهو تهجم على الجناب العلي بمالم يأت به شرع؛ بل هو طريقة عُبَّاد الأوثان القائلين إنَّهم يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى، والذي أمر الله به عباده في كتابه بقوله: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ أي: نخصك بالاستعانة فلا نستعين إلا بك كما عرف في علم البيان أن تقديم المفعول هنا أفاد الاختصاص١ سيما وقد قدم قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ أي: نخصك بالعبادة فكما أنَّه مختصٌ بالعبادة لا يُعْبَدُ سواه بالاتفاق، فهو مختصٌ بأنْ لا يستعان بغيره، والتوسل بالمخلوقين استعانةٌ بهم، ثم إنَّه تعالى يقول ﴿مَن ذَا الذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ ٢ ويقول: ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى﴾ ٣ فمن أين للمتوسل بالمخلوقين أنَّ الله تعالى قد أذن لهم بالشفاعة للسائل في قضاء حاجاته؟ ثم قد قرر آنفًا هذا المجيبُ أنَّ لهؤلاء الأولياء أن يقول للشيء كن فيكون. فأيُّ حاجةٍ إلى التوسل بهم؟ بل منهم تُطلب الحاجات وتسأل الحياة والممات، وقد صيرهم آلهة يفعلون ما
_________
١ انظر: رصف المباني شرح حروف المعاني للمالقي (ص:١٣٨) والدر المصون للسمين الحلبي (١/٥٥) .
٢ سورة البقرة، الآية ٢٥٥.
٣ سورة الأنبياء، الآية ٢٨.
1 / 100