Iman dan Pengetahuan serta Falsafah
الإيمان والمعرفة والفلسفة
Genre-genre
5
ومن ذلك الحين أصبحت حياة كومت مكرسة لإنفاذ برنامجه إنفاذا مرتبا متينا، فجعل يؤلف وينشر بانتظام تام فلسفة العلوم والتاريخ والأخلاق والسياسة والديانة الوضعية. وليس معنى ذلك أن فكرة كومت بقيت جامدة فقد تطورت فيما بين سنة 1822 وسنة 1857. ولكن تطورها كان بحيث يستطيع الملاحظ الدقيق الذي قرأ (فكرته عن المسائل العلمية اللازمة لإعادة نظام الجمعية) أن يترسم خطاها من ذلك الحين. فلم يكن لكومت إلا مبدأ واحد تطور. وتمت فكرته فيما بين ما نشره حين كان في سن العشرين إلى يوم أن ظهر كتابه عن (التوافق الذاتي)
La synthese subjective .
ولقد طعن على تناسق هذا المبدأ ووحدته، وإن كومت نفسه ليميز في حياته بين حالين متعاقبتين. كان هو في أولاهما - على حد قوله من غير تواضع باطل - أرسطو؛ ثم صار في الثانية القديس بولس. وإنما هيأ مؤسس الفلسفة الأسباب لوضع الديانة «فقد أخلصت حياتي لأستخلص من العلم الثابت الأسس اللازمة للفلسفة الصحيحة التي تسمح لي أن أقيم الديانة الحقة على موجبها».
على أن جماعة من أكبر أصحاب كومت، وأكثرهم مناصرة له في مبدئه أمثال لتريه، قد وقفوا عن اتباعه في حالته الثانية ولم يقنعهم ما عندهم من الإعجاب بالفيلسوف لينضموا إلى القديس.
ولتريه وأصحابه أحرار في الوقوف عن ترسم كومت إلا إلى حد معين ، وهم أحرار أن يقبلوا فلسفته ويرفضوا ديانته، ولو أنهم وقفوا عند ذلك لما كان لكومت إلا أن ينعي سوء منطقه، ويبرأ من (أولئك الوضعيين غير الناضجين الذين لا تزيدهم دعواهم الذكاء ذكاء ولا فطنة). ولكنهم على العكس من ذلك هم الذين اتهموا كومت بالخطأ والتناقض قائلين: إنه خان مبادئه الأولى وإن الطريقة الذاتية
Méthode subjective ، التي لجأ إليها في الثانية أفسدت ما أوصلته إليه الطريقة الموضوعية في حاله الأولى من ثمين النتائج، مدعين أنهم في وقوفهم عند (دروس الفلسفة الوضعية) أكثر إخلاصا لفكرة كومت الرئيسية من كومت نفسه، وأنهم فيما يقولون من ذلك إنما يدافعون عن الفلسفة الوضعية الحقة في وجه مؤسسها ومنشئها.
ولقد دفع كومت عن نفسه هذه التهم التي حزت في كبده، وبلغت من نفسه لصدورها من أولئك الذين عدهم أشد أصحابه إخلاصا وأكثر أصدقائه وفاء. وإن ما سنجيء به في هذا الكتاب قمين أن يظهر خطأهم ويبين أن طريقتي كومت ليستا متنافيتين، بل تكمل إحداهما الأخرى كما تكمل حاله الثانية حاله الأولى.
صحيح أن أفكار كومت وكتاباته أخذت صبغة صوفية في السنين العشر الأخيرة من حياته، وأن صلته القصيرة بمدام دفو، ثم موت هذه الصديقة «القديسة» هزا مشاعره هزة شديدة، وأن هذه المشاعر والعواطف تحولت في نفسه إلى أفكار دخلت خلال طريقته ومذهبه في وقت كان يعمل فيه لتأسيس ديانة للإنسانية، زعم أنه سيكون لها على النفوس سلطان يعدل ما كان للمسيحية عليها، وأن اهتياج عواطفه واهتمامه بالديانة الجديدة التي يقيمها وشعوره بالرسالة القدسية الملقاة عليه شعورا متحكما كان من شأنها أن تؤثر في المبدأ الذي قرره في المدة السالفة؛ لهذا لم تظهر فلسفة العلوم والتاريخ في (السياسة الوضعية) على الطريقة التي ظهرت بها في (الفلسفة الوضعية). ولكن ذلك كان مقصودا. وإن كومت ليفسر اختلاف العبارة وطريقة الشرح والعرض في هذين الكتابين باختلاف الغاية التي رمى إليها كل منهما. أما المبدأ الفلسفي فقد بقي فيهما واحدا لم يتغير، وكل ما يمكن موافقة لتريه عليه أن عرض المبدأ من الجهة الدينية في (السياسة الوضعية) أفسد ظاهره فلا يستطيع من قصر قراءته على هذا الكتاب أن يصل إلى فكرة المبدأ الدقيقة التي وضعت في (دروس الفلسفة الوضعية)؛ ولهذا السبب عينه أشار كومت على كل من قرأ كتاب السياسة أن يرجع إلى كتابه «الرئيسي الأكبر».
على أن المدقق الذي يطلع على (الدروس) يجد فيها إشارات وعلامات تنبئ عن كتابه السياسة وتبشر به. ولو أن كومت اكتفى بالإشارة إلى ما جاء من ذلك في «الدروس» لكفى ذلك ردا على أصحابه الخارجين عليه. لكنه عمل خيرا من هذا. فلقد طبع في آخر الجزء الرابع من كتاب السياسة الوضعية ست رسائل مما كتب في أيام صباه ما بين 1818 و1826 حوت، خلا النقط الجوهرية لفلسفته، فكرته في أن الفلسفة ليست إلا مقدمة بسيطة، وأن العمل الأهم والغاية العليا إنما هما الديانة الوضعية التي أعدت الفلسفة لتكون أساسا لها ترتفع فوقه. بل لقد كانت هذه روح كل تلك الرسائل. ومن ثم صحت حجة كومت وقوي مركزه فيما يتعلق بوحدة مبدئه وكسب الخصومة من منازعه لتريه.
Halaman tidak diketahui