Iman dan Pengetahuan serta Falsafah
الإيمان والمعرفة والفلسفة
Genre-genre
من ذلك يظهر أن أثر سان سيمون في كومت كان عظيما، وأن عبقرية كومت الفلسفية مؤكدة لا يأتيها الشك. وأكثر ما كان من أثر سان سيمون أنه أوحى إلى كومت بمجموع من الأفكار العامة والآراء الخاصة التي أخذ بها فيما قرر من فلسفة التاريخ، كما أنه عرف كيف يجمع بين الفرعين اللذين ألف فيهما من قبل مفردا كلا عن الآخر، وذلك باستنباط علم يكون اجتماعيا وسياسة تكون علمية. ولولا سان سيمون لما جال بخاطر كومت أن يوفق بين هذين الفرعين من فروع العلم بعد أن كان يعمل في كل منهما مستقلا، أو لجاءه هذا التوفيق متأخرا. لهذا ليس لنا أن نغمط سان سيمون ما يعترف له به كومت نفسه من أنه وجه تلميذه في أكثر السبل موافقة لذهنه ولنبوغه.
ولم تتم الخلطة الفكرية بينهما يوما ما. وإذا كان كومت قد وصل إلى دخيلة أفكار سان سيمون (وإن لم يكن قد أخذ بها جميعا)، فإن سان سيمون أساء فهم طرف من فكرة كومت لضعف تربيته العلمية، حتى إن ما كتبه عن قانون الجاذبية التامة لا بد أن يكون قد استثار اشمئزاز كومت. لهذا لم يترك كومت دراسته الرياضية حتى حين كان متحمسا لسان سيمون متهالكا عليه بكل ما فيه من شباب وعطف. ولقد كتب لفالا في 28 سبتمبر سنة 1819 يقول له: «إني اليوم وسأبقى دائما أعمل في فرعين من فروع البحث: الفرع العلمي والفرع السياسي. ولولا ما أذكره دائما من فائدة العمل العلمي لبني الإنسان لما اهتممت له، بل لعدلت به حل الألغاز اللفظية. ثم إن بي لبغضا شديدا لما لا أرى له فائدة من الأعمال العلمية قريبة كانت هذه الفائدة أو بعيدة. أما الأعمال السياسية فيأخذني إليها أنها تستهوي الفكر وتشحذ الذهن ولولا ذلك لكنت أكثر هوادة في الاشتغال بها برغم كل ما عندي من ميل للإنسانية»،
3
فلما أرسل لصديقه بعد سنة من ذلك مجموعة كراسات سياسية ميز فيها بين ما له، وما لسان سيمون أخبره أنه فضلا عن هذا يشتغل بجد في أعماله الرياضية، وأنه يريد الدخول في منافسة أعلنتها (الأنستيتو
L’institut )، وقد كان يطمع من ذلك في الدخول في أكاديمية العلوم.
وفي سنة 1822 ظهر كتيب كومت (فكرة عن المسائل العلمية اللازمة لإعادة نظام الجمعية)، وفيه ذلك التوفيق بين فرعي العلوم. وقد ذكر في مفكرة كومت مبنيا على اكتشافه: ترتيب العلوم وقانون الحركة الاجتماعية
Dynamique Sociale . ولئن لم يكن الكتاب هو السبب الأهم فإنه كان الفرصة التي حدثت عندها القطيعة ما بين كومت وسان سيمون. فقد رأى كومت تلك اللحظة حاسمة في تاريخية تفكيره إذ حوى هذا الكتيب مجموع نظريته المقبلة. ثم دلت المقدمة التي وضعها له سان سيمون على أنه لم يفهم مرماه. فاستقل كومت بعد إذ عثر فيها على ما كان يبحث عنه من سنين من غير أن يتبينه، وكرس بقية حياته لما وصل إليه وما كان قد وضع له فكرته، ولم يبق له أن يتساءل كيف يوفق بين بحوثه العلمية ودراسته السياسية. وقد وضع تدرج العلوم الفلسفي جاعلا الطبيعة الاجتماعية في مركز التاج منها.
كتب كومت في 8 سبتمبر 1824 ما يأتي: «عن لي في أثناء أعمالي الفلسفية الكبرى أن أنشر بعض كتب خاصة عن النقط الرئيسية للرياضيات مما كنت قد تبينته من زمن طويل، ثم وصلت أخيرا لربط هذه النقط بأفكاري العامة عن الفلسفة الوضعية، فسمح لي ذلك أن أستظهرها من غير أن تنقطع وحدة الفكرة عندي. هذه الوحدة اللازمة لحياة كل مفكر».
4
وكتب في 27 فبراير سنة 1826 في خطاب شائق إلى ديلانفيل يشرح شرحا واضحا الفكرة التي تولد منها مذهبه قال: «إن فكرتي في اعتبار السياسة طبيعة اجتماعية، وذلك القانون الذي اكتشفته عن أحوال العقل الإنساني الثلاثة ليسا إلا فكرة واحدة نظر إليها من جهتين مختلفتين: جهة الطريقة وجهة العلم. ومتى تقرر ذلك فسأبين أن هذه الفكرة تكفي تمام الكفاية، وبطريق مباشر لسد الحاجة العظيمة التي تحسها الجمعية الحاضرة من جهة النظر ومن جهة العمل معا. وأظهر أن ما من شأنه أن يبعث إلى المستقبل التماسك والمتانة بإقامة نظام ترتاح إليه الأذهان هو أيضا ينظم الحاضر قدر المستطاع، إذ يقوم أمام رجال السياسة كأساس يبنى عليه العمل المعقول».
Halaman tidak diketahui