ابتداء التقية ومبرراتها :
ما كانت تقية الشيعة مبتدأة من عصر الصادق عليه السلام بل كانت من عهد أمير المؤمنين عليه السلام حتى أنه كان قد استعمل التقية بنفسه في اكثر أيامه ، إنك لتعلم أنه من بدء الخلافة كان يرى أن الخلافة له ، ويراها ثلة من الناس فيه ، ولكنه لما لم يجد أنصارا وادع وصمت هو وأصحابه ، ولو وجد أربعين ذوي عزم منهم لناهض القوم على حد تعبيره نفسه وان الناس حتى من يخالفه لتعلم أن له رأيه في القوم ومن ثم أرادوه للبيعة في الشورى على اتباع سيرة السلف فأبى إلا على كتاب الله وسنة رسوله.
وكان يتكتم كثيرا بما يرى التقية في إبدائه حتى بعد ما صار الأمر إليه لعلمه بأن في الناس من يخالفه ويناوئه ، فلو باح بكل ما عنده لم يأمن خلاف الناس عليه ، كيف وقد نكثت طائفة ، وقسطت اخرى ، ومرق آخرون ، فلو صارح بكل ما يعلم ويرى لانتقضت عليه أطراف البلاد.
ومع أن الكوفة يغلب عليها الولاء والتشيع وهي عاصمة ملكه ما استطاع أن يغير فيها كل ما ورثوه من العهد السابق ، كما لم يطق أن يبوح فيها بكل ما يعلم إلا القليل ، هذا وهو صاحب السلطتين : الروحية والزمنية ، فكيف إذن به يوم كان أعزل ، وكيف بأولاده والسطوة والقوة عليهم.
لم يتخذوا التقية جنة إلا لما يعلمون بما يجنيه عليهم وعلى أوليائهم ذلك الإعلان ، وقد أمر بها أمير المؤمنين قبل بنيه ، فإنه قال في بعض احتجاجاته كما يرويه الطبرسي (1) في الاحتجاج : وآمرك أن تستعمل التقية في دينك إلى أن
Halaman 84