وذات يوم، وكان يوم الخميس، كنت قاعدا في غرفتي أرتاح بعد الظهر، وإذا بالسيدة الأرملة التي أسكن في منزلها قد صعدت إلى غرفتي ودقت الباب، ونهضت وفتحت لها، فبادرتني بقولها: الشيخ حسين أبو محمود في انتظارك تحت. ونهضت، ولبست ملابسي بسرعة؛ لأن الشيخ حسين أبو محمود هذا هو المزارع الذي ينفق علينا بسخاء.
ونزلت أهرول وأنا أترقب مساء مليئا بالأكل والشرب، وقابلني الشيخ حسين أبو محمود وصافحني في حفاوة مشرفة، وقال لي إني مدعو إلى منزل شقيقه هذا المساء بقريتهم؛ لأن بنته؛ أي بنت شقيقه هذا، ستتزوج هذا المساء، وأجبته بالإيجاب؛ إذ لم يكن من الذوق أن أرفض مثل هذه الدعوة، وسألته إذا كان قد دعا زملائي في المكتب، فقال: إنهم سبقونا إلى القرية، ولكنه جاء خصيصا لي لأني لا أعرف الطريق.
وركبنا عربة يجرها حصان مفرد هزيل، جعل يجرنا في بطء حتى وصلنا إلى القرية نحو الساعة الثامنة من المساء، وكنا في الشتاء، وكان الظلام حالكا والبرد قارسا، ودخلنا البيت ولم يكن هناك من علامات العرس سوى مصباحين كبيرين على الباب، واجتزنا الدهاليز العديدة حتى وصلنا إلى غرفة كبيرة، ودخلنا كلانا فوجدنا نحو عشرين رجلا من الفلاحين والعرب، ووجدتهم جميعا ساهمين صامتين، كأنهم في مأتم وليسوا في عرس، وعندما قلت السلام عليكم لم أسمع رد التحية إلا من ثلاثة أو أربعة.
وقعدت على كرسي قريب من الباب، ثم رأيت الشيخ حسين أبو محمود يخرج ثم يعود، فينادي أحد القاعدين في صوت منخفض ويخرج، ثم يعود فينادي آخر، وأحسست بهرج لم أفهم معناه، وتطلعت أبحث عن أحد زملائي الذين قيل لي إنهم سبقونا فلم أجد أحدا، وقدمني الشيخ حسين أبو محمود إلى شقيقه الذي سيعقد زواج ابنته هذا المساء.
وحدث هرج ثم ساد صمت، ودخل أحد المدعوين وهو ينتفض من الغيظ وهو يقول: خبيث، سافل، لئيم، يستحق الضرب بالرصاص.
وخرج أحد القاعدين وقد أزبد فمه من الغيظ، وهو يصيح: ناس أولاد كلب، عدموا الشرف.
ولم أفهم شيئا من كل هذا، ولكني أحسسن أن الجو لا ينبئ بالفرح والأكل والشرب كما كنت أنتظر، ودخل علي الشيخ حسين أبو محمود، وأخذني من يدي، وخرج بي إلى قاعة بعيدة وقعد إلى جانبي وقال: اختلفوا على الجهاز.
فقلت: أي جهاز؟
فقال: العريس كان يطلب سريرين وسجادة عجمية، ولكن شقيقي أصر على سرير واحد وسجادة أفرنجية، وإلى الآن لم يحضر العريس، وقد بعثنا إليه فأقسم بأنه لن يحضر، وكلنا في خجل، وسيعرف أهل القرية كلهم في الصباح أن بنتنا تركها عريسها.
فقلت: هذه والله كارثة!
Halaman tidak diketahui