1 - قصة غرام
2 - أعظم المخدرات
3 - أحسن أم
4 - لماذا تزوج؟
5 - ذكريات قلب
6 - خريف + ربيع
7 - طلقت أخي
8 - غرفة الخادمة
9 - الحيوان الذي كان إنسانا
10 - ماتت 3 مرات
Halaman tidak diketahui
11 - تجربة علمية
12 - والدي العزيز
13 - لكن الله يرحمه
14 - العمارة ليست ملكه
15 - إلى المعاش
16 - صوت الشيخ
17 - رؤيا
18 - اختلفوا على الجهاز
19 - موت عظيم
20 - افتحوا لها الباب
Halaman tidak diketahui
21 - هل أنا قتلته؟
22 - قصة السبعة الكبار
23 - هجرتنا إلى القمر
1 - قصة غرام
2 - أعظم المخدرات
3 - أحسن أم
4 - لماذا تزوج؟
5 - ذكريات قلب
6 - خريف + ربيع
7 - طلقت أخي
Halaman tidak diketahui
8 - غرفة الخادمة
9 - الحيوان الذي كان إنسانا
10 - ماتت 3 مرات
11 - تجربة علمية
12 - والدي العزيز
13 - لكن الله يرحمه
14 - العمارة ليست ملكه
15 - إلى المعاش
16 - صوت الشيخ
17 - رؤيا
Halaman tidak diketahui
18 - اختلفوا على الجهاز
19 - موت عظيم
20 - افتحوا لها الباب
21 - هل أنا قتلته؟
22 - قصة السبعة الكبار
23 - هجرتنا إلى القمر
افتحوا لها الباب
افتحوا لها الباب
تأليف
سلامة موسى
Halaman tidak diketahui
الفصل الأول
قصة غرام
ولكن ليس هذا كل الغرام؛ فإننا نغرم بالمجد، ونغرم بالفن، ونغرم بالفلسفة، ونغرم بالطبيعة و ...
جاءني سكرتير التحرير وقال: إن القراء يشكون لأن قصصك لا تحوي غراما، وبعضهم يقول: إن الغرام أساس القصة.
قلت: ولكن جميع قصصي - تقريبا - تحوي غراما.
قال: أعني الغرام بالمرأة؛ أي الحب بين الرجل والمرأة.
قلت: ولكن ليس هذا كل الغرام؛ فإننا نغرم بالمجد، ونغرم بالفن، ونغرم بالفلسفة، ونغرم بالطبيعة، و ...
قال: ولكن غرام المرأة؟
قلت: إذا كان الغرام بالمرأة سيشغلنا عن الغرام بالمجد فإننا يجب أن نؤثر المجد على المرأة.
قال: ألم تقل في إحدى مقالاتك إن الحب يجب أن يكون الأساس للزواج؟
Halaman tidak diketahui
قلت: هو كذلك، وأيما أساس آخر للزواج؛ كالمال أو الوجاهة، هو أساس من رمل ينهار عليه بناء الزواج، ولكن اسمع، هل يمكنك أن تتخيل «نابليون» وهو في حروبه وبرامجه لتغيير الدنيا وتأليف المستقبل، يقعد إلى مكتبه كي يكتب خطابا غراميا لحبيبته يبين لها مقدار ما سحره جمالها، ويصف لها عينيها وأنفها وشفتيها وصدرها؟ أو هل يمكنك أن تتخيل «تولستوي» يفعل ذلك؟
قال: أنت تتحدث الآن عن حب العظماء الذين أغرموا وعشقوا فكرة أو هدفا، فهل تعتقد أن القراء يحبون أن تصف لهم مثل هذا الغرام أو العشق؟ أظن أنهم لن يكترثوا به!
قلت: ولم لا؟ ألا تعرف قصة الحب بين الأديب الفيلسوف «برنارد شو» والممثلة الرائعة «ألن تري»؟ لقد نشر كتاب قبل سنوات يحوي الخطابات التي تبودلت بينهما عن حبهما مدة سنوات، وكان أعظم ما يلفت في هذا الحب أن الحبيبين لم يكونا يلتقيان؛ فقد كان «برنارد شو» يقصد إلى دار التمثيل ويقعد على مقعد أمامي، ويراها كل ليلة وهي تمثل، فإذا عاد إلى منزله قعد إلى مكتبه وكتب إليها خطابا يسر إليها فيه باختلاجاته وارتعاشاته.
وهنا ضحك سكرتير التحرير وقال: هذا حب في الهواء.
فقلت: ولكن هذه الخطابات لم تكن كلها اختلاجات وارتعاشات؛ إذ كانت تحوي أيضا الحكمة والفلسفة والفن.
قال: ولكن، لماذا لم يكونا يلتقيان؟
قلت: استبقاء للحب؛ حتى لا ينطفئ باللقاء، وحتى يغذوه الخيال فلا يفسد أو يفتر بالواقع.
قال: ولكن، هل هذا يطاق؟!
قلت: إن ها هنا موضوعا للتحليل، واعتقادي أن الحب يفتر، وقد يموت بالإسراف في البعد كما يموت بالإسراف باللقاء؛ بالاثنين، وأظن أن حبهما مات وإن لم يفهم هذا من رسائلهما.
فتململ سكرتير التحرير وقال: نريد قصة تحتوي غراما، ودعك من هذه الفلسفة؛ ألم يكن «برنارد شو» نباتيا؟ وهل ننتظر من رجل لا يشتهي أكل اللحم أن يشتهي حب المرأة؟!
Halaman tidak diketahui
قلت: إنك أذكرتني الآن؛ فإن «غاندي» كان نباتيا أيضا، وتزوج عن حب، ولكنه عندما بلغ سن الرابعة والثلاثين انفصل عن زوجته، وصار ينام وحده في غرفة أخرى.
قال: ولماذا؟
قلت: لأنه رأى أن يتزوج الهند، وأن يغرم بالإنسانية، وأن يأرق في الليل فيذكر استقلال الأمم ومكافحة الاستعمار، أليس في هذا الغرام ما يعلو على الغرام بين رجل وامرأة؟
قال: ولماذا لا يجمع بين الاثنين؟
قلت: لأنه لا يستطيع أن يعبد ربين ويصلي في معبدين.
قال: ولكن «غاندي» شاذ.
قلت: إنه فذ، وعصرنا بمشكلاته العديدة وما تجر في أثرها من كفاح واستمتاع، يغرينا بالحب للإنسانية، ويطالبنا بالأفذاذ، ونحن نحس أن وجودنا يتزايد بهذا الحب أكثر مما يتزايد بالحب للمرأة؛ لا، بل إن اهتماماتنا الإنسانية وانكبابنا على الدرس والكفاح يرتفع بنا إلى درجة من النضج تجعلنا نحدد ونقيد استمتاعاتنا بالحب للجنس الآخر، ألم تسمع عن «هافلوك إليس»؟
قال: وماذا في «هافلوك إليس»؟
قلت: إنه رجل أرصد نفسه للفلسفة والعلم، وقد أخرج في بداية هذا القرن نحو أربعين مؤلفا في مختلف العلوم، ولم يكن يؤلفها، وإنما كان يرأس تحريرها ويوجه مؤلفيها، وكان يهدف من ذلك إلى أن يصوغ الذهن الأوربي كي يفكر التفكير العلمي، وقد نجح، ثم هو أيضا أول رائد للبحوث الجنسية وتشريح الحب أو تأليفه، ومؤلفاته حجة لمن يدرسون هذه الموضوعات.
فقال سكرتير التحرير: وأين كل هذا من ضرورة احتواء القصة للحب؟!
Halaman tidak diketahui
قلت: انتظر قليلا؛ فإنه قبل نحو سبعين سنة عرف امرأة تشير إلى ضوء الفجر الجديد، وتدعو إلى مجتمع علمي، فأحبها وأحبته؛ أحب كل منهما عناصر الارتقاء في الآخر.
قال: وهل سعدا بالحب؟
قلت: سعدا بالحب والزواج بضع سنوات قليلة، ثم انتهى «هافلوك إليس» إلى ما انتهى إليه «غاندي».
قال: وعاش في غرفة أخرى ينام فيها وحده؟
قلت: لا، فعل أكثر من ذلك؛ إذ هو اختار مسكنا غير المسكن الذي كانت تقيم فيه زوجته.
قال: هل كان هذا عقب الطلاق؟
قلت: لا، لم يحدث بينهما طلاق؛ فإنهما كانا على حب متين، ولكن لأن لكل منهما شخصية فذة، ولأن لكل منهما اهتمامات إنسانية وعلمية واجتماعية تستغرق الوقت العظيم والجهد المتواصل، فإنهما انفصلا كي يجد كل منهما الحرية التامة في مواصلة عمله وتأدية رسالته.
قال: وهل يمكن أن يسمى هذا زواجا؟
قلت: كانا يجتمعان شهرا أو شهرين كل سنة.
ونفض سكرتير التحرير يده وهو يقول: - ما دامت هذه أفكارك عن الحب والزواج فلن تستطيع أن تكتب قصة.
Halaman tidak diketahui
قلت: ليست الدنيا قصصا، إنما الدنيا كفاح ورسالة، ومع ذلك، سأكتب لك قصة تحوي غراما وزواجا.
قال: وكيف ذلك؟
قلت: هاك خلاصة القصة: كان «أندريه أوجست» طالبا في كلية العلوم في السوربون في باريس، وكان البحث العلمي يستوعب كل وقته في النهار والليل، لا يكاد يجد في اليوم كله سوى خمس أو ست ساعات للنوم، وتخرج في السوربون، وأسس معملا صغيرا للتجارب في الدجاج والفئران والديدان، وكان هدفه أن يصل إلى الغذاء الذي يجدد الأنسجة فيطيل العمر، كما يقي من المرض، وبعد آلاف التجارب نجح في الاهتداء إلى هذا الغذاء، وفي يوم نجاحه غمره الهوى حتى صار يرقص! أفلا تعترف معي بأن هذا الغرام بإيجاد غذاء يأكله كل الناس وتزيد أعمارهم به إلى الضعف خير من الغرام بالمرأة؟
قال: أجل، خير ألف مرة.
قلت: ولكن اسمع، فإن «أندريه أوجست» كان مع غرامه هذا بالعلم قد تعرف إلى فتاة، وكانت تزوره وهو بالمعمل، ولم يكن يلتفت إليها أيام بحثه قبل اهتدائه إلى الغذاء المضاعف للعمر، أما بعد ذلك فقد شرع يرفه عن نفسه؛ فصار يزور الملاهي معها، ويجالسها ويتحدث إليها كثيرا، وأعادت إليه شبابه المنسي فأغرم بها.
قال: هذه طوالع حسنة للقصة؛ قصة بلا حب للمرأة ليست قصة.
قلت: ولكنك لم تستمع إلى آخرها! فإن «أوجست» كان قد فكر كثيرا في الانتفاع بهذا الغذاء، وكان يجد في أزمة العالم الحاضرة أن غذاءه الرخيص الذي يمكن أية عائلة في العالم أن تطبخه وتأكله، هذا الغذاء لا فائدة منه ما دام العالم يحارب ويقتل بعضه بعضا؛ وخاصة عندما نعرف أن الحرب القادمة قد تقتل ربع البشر أو نصفهم، ولهذا السبب أعلن عن غذائه، وشرط أنه لن يفضي بالسر الخاص بتركيبه إلا للأمة التي تقدم البراهين العملية على أنها لا تنوي الحرب ولا تستعد لها.
فقال سكرتير التحرير: هذا رجل عظيم!
وقلت: لما أحب هذه الفتاة جعلت تغريه بجمالها كي يفشي لها سر الغذاء، ولم يكن قصدها سيئا، وإنما هي شهوة الاستطلاع العلمي فقط، وأفشى لها السر؛ للحب الوثيق بينهما.
فقال: وماذا فعلت به؟
Halaman tidak diketahui
قلت: كانت هذه الفتاة تنتمي إلى الأمة التي تتهيأ للحرب، فحملتها وطنيتها على أن تفشي السر لرجالها.
قال: أعوذ بالله! وماذا فعل هو؟
قلت: لما عرف «أندريه أوجست» أن سر الغذاء قد عرفته الأمة التي تنوي الحرب انتحر!
الفصل الثاني
أعظم المخدرات
إن أسوأ المخدرات هو النجاح المبكر، أنت سكران بنجاحك، إني أدعو لك بالفشل!
لما عرفته، قبل سنتين، أحببته؛ ذلك أنه كان يمتاز بشخصية انبساطية؛ يتحدث ويضحك، ويرى الدنيا مفروشة بالورود، وكان يجمع إلى الشباب شيئا من الوسامة، وكان قد حاول الكسب وهو لا يزال طالبا في الجامعة بالكتابة إلى الصحف الأسبوعية، ونجح في محاولته، وكان يكتب الأخبار التافهة الصغيرة التي تحتاج إليها المجلات ويتقاضى عليها نحو ثلاثين جنيها في الشهر.
وكنت أكفه عن هذا النجاح الذي أصبح عادته، ولكنه طغى في نجاحه، حتى قلت له ذات مرة إنه يتناول أسوأ المخدرات!
قال مدهوشا: أنا؟ أنا لا أعرف المخدرات!
فقلت: يا عاطف، إن أسوأ المخدرات هو النجاح المبكر، نجاح يرافقه شباب ووسامة.
Halaman tidak diketahui
فقال: هل تطلب لي الفشل؟!
قلت: نعم؛ أنت سادر، أنت سكران بنجاحك، إني أدعو لك بالفشل.
فقال ضاحكا: إن شاء الله أنت!
كان هذا قبل سنتين، وكنت أتابع نجاحه وأنا في أسف عليه، ثم تخرج في الجامعة في يونية الماضي، وأحس قوة جديدة زادت طغيانه في النجاح، فوثب وسقط.
وأسوأ ما في النجاح المبكر أنه يعود صاحبه الإقدام، ثم التهور!
فإن عاطف شرع منذ بلوغه الثامنة عشر يغزو قلوب الفتيات، بلا رحمة ولا تبصر، وكانت له معهن ميزتان: السخاء والدموع؛ فإن المرأة تعجب بالقوة، والسخاء من أعظم مظاهر القوة؛ فإنه كان لا يبالي أن ينفق مع الفتاة التي يدعوها إلى التنزه معه نحو خمسة أو ستة جنيهات في اليوم، وكان له أسلوب في إخراج النقود وإلقائها على المائدة، كما لو كانت شيئا تافها، وكان يتفضل على خادم المطعم بنحو عشرين قرشا فوق الثمن، يدفعها إليه كما لو كانت ثلاثة قروش، وكان هذا السلوك يسحر الفتيات.
وفوق ذلك كان له أسلوب قاتل في الدموع.
وقد أخبرني هو كيف وقع على هذا الأسلوب؛ فقد قال لي إنه كان يلعب وهو في العاشرة مع صبية من عائلة مجاورة، وكانت تأكل بعض الحلويات، فرغب إليها أن تعطيه منها، فأبت عليه فبكى، وتأسفت الصبية حين رأت دموعه، وحنت عليه وأعطته الحلوى كلها.
واستقر عند هذا الأسلوب؛ أسلوب أطفال، ولكنه أسلوب قاتل؛ فإنه كان عندما يجد جمودا أو نفورا من إحدى الفتيات يبكي، وكان البكاء يغمر وجهه فتحمر وجنتاه، وتنهمر دموعه ويتشنج، ووجد بالتجارب أنه ليست هناك فتاة تستطيع مقاومته وهو في هذه الحال.
وليس هذا غريبا؛ فإن كل فتاة أم بطبيعتها، وهي تلعب بالعروس وتحتضنها وهي لا تزال طفلة؛ أي تلعب بالأمومة، ولذلك يمتزج الحب عندها بالحنان، وهي تعامل حبيبها كما لو كان طفلها وهي أمه!
Halaman tidak diketahui
وكان عاطف من ذلك الطراز الانبساطي الذي يذوب؛ يذوب فرحا فيضحك كأنه سينفجر، ويذوب أسفا حتى تبلله الدموع، وكان يعرف، بالتجارب العديدة، أنه ليس شيء أفعل من رحيق الحب عندما يمتزج بملح الدموع في القبلة الحارة، وبذلك كثرت ضحاياه.
وهذا هو الذي جعلني أدعو له بالفشل؛ فقد كان خطره كبيرا على الفتيات، كما كان الخطر عليه هو نفسه كبيرا أيضا؛ إذ هو كان يحيا وهو سكران بهذا المخدر القوي: النجاح الدائم.
وحدث هذا العام ما تمنيت له، ولكن بصورة أبشع وأفظع مما تمنيت!
فإنه عرف فتاة طردته لأول لقاء، ولكنه سلط عليها ثلاثة أسلحة: الشباب والسخاء والدموع، فوقعت، وكان وقوعها عظيما؛ إذ حملت، ولم يعرف عاطف في كل مغامراته الماضية مثل هذه الكارثة، وقصد إلى الأطباء في القاهرة يساومهم على إسقاط الجنين، ولكنهم رفضوا، وفكرت الفتاة في الانتحار، وأحس عاطف بجريمته، وجعل يخفف عنها، ويمنيها بإسقاط الجنين، وبالزواج منها.
وسافر إلى طنطا، وهناك وجد من الأطباء من قبل إجراء العملية بخمسين جنيها، وخرج الاثنان من القاهرة في الصباح التالي إلى طنطا، وبعد أقل من ساعتين كان الطبيب يرتكب جريمة الإجهاض التي أتمها بعد أكثر من ساعة من العذاب للفتاة المسكينة.
وعاد الاثنان إلى القاهرة حوالي الظهر، وودع عاطف الفتاة عند باب منزلها، وتجنب السؤال عنها توقيا للشبهة، ولكنه بقي سبعة أيام وهو يتقلب على نار من القلق.
وذات صباح وهو يتصفح الجريدة قرأ نعيها؛ ماتت من عملية الإجهاض، أو من آثارها!
ولقيته بعد هذا الحادث بنحو شهر، وقد هزل وشحب، وكنت قد عرفت الخبر، فكان أول ما قلت له: كان أولى أن تموت أنت!
وجعل يحدثني ويهذي عن الانتحار، فقلت له: اسمع يا عاطف، كنت أتمنى لك فشلا يوقظك من نشوة الانتصار، ولكن شاءت الأقدار أن تسفك الدم، أو تشترك في سفكه حتى تستيقظ؛ أنت مجرم! •••
وقعت هذه الجريمة منذ خمسة شهور، ولم أره منذ ذلك اللقاء المؤلم الأخير، ولكني لم أنقطع عن السؤال عنه، وعرفت أن أم الفتاة قد أصيبت بالفالج، وأنها تلزم السرير منذ وفاة ابنتها.
Halaman tidak diketahui
أما عاطف فقد تغير؛ فإنه لم يترك بيته، بل غرفته، هذه الشهور الثلاثة الأخيرة؛ فقد زهد الدنيا، والنجاح، والحب، وهو لا يزال يجتر جريمته: موت فتاة شابة، وشلل الأم.
واعتقادي أنه سوف يعيش وهو يحمل على عاتقيه هذين الوزرين الثقيلين، ولا بد أيضا أنه سيقلع عن أسلوبه القديم.
ولكن ما منفعة ذلك الآن؟ هل يصلح إنسان بموت إنسان آخر؟!
الفصل الثالث
أحسن أم
الإنسان الذي لا يعتقد أن أمه أعظم امرأة في العالم لا يعد إنسانا حسنا؛ إن كل أم امرأة عظيمة عند أبنائها.
كان الدكتور شوقي يقول لي إن أمه أحسن أم في الدنيا، وكنت أقول له إنه يقول ذلك لأنها ماتت، ونحن نكبر في العادة من فضائل الموتى، وننسى تقصيراتهم أو نقائصهم، ولو كانت أمه حية لكان في الاحتكاكات السيكولوجية اليومية ما يجعل أمه مثل سائر الأمهات؛ لا تزيد ولا تنقص.
وكان صديقي شابا في السادسة والعشرين، قد تخرج في كلية الطب قبل ثلاث سنوات، وتزوج في السنة الماضية، وبعد زواجه بنحو ستة شهور ماتت أمه، فأصبحت كأنها من القديسات؛ لها معبد في قلبه يذكرها ويصلي لها.
وكان لا يفتأ يذكرها حتى كنت أسأم ثرثرته عنها، وأخيرا قلت له كي يكف عن ثرثرته: «عرفت كل شيء عن أمك؛ فقد كانت أحسن أم في الدنيا؛ لأنها كانت تجيد طبخ الرز والملوخية، وكانت تصلح الأزرار المقطوعة، وكانت تحسن غسل ملابسك وترقع جواربك، و ...».
ولكنه قاطعني قائلا: «أنت لا تعرف أمي، فقد كانت تفعل كل هذا الذي تقول، ولكنها كانت تفعل أكثر من ذلك، وأنا لا أحبها وأذكرها لأنها كانت أمي، بل لأنها كانت الأمومة، أتفهم هذه الكلمة؟ كانت الأمومة»!
Halaman tidak diketahui
ونبهني صديقي بهذه الكلمة إلى أن الحديث جد، وأن مزاحي لا يليق.
ثم قال: «ماتت أمي في نحو السبعين، وقبيل وفاتها بشهرين رأيتها وهي عارية، وكنت قد دخلت المنزل دون أن أحدث صوتا؛ لأن معي مفتاحا للباب، وكنت متزوجا، قد مضى على زواجي نحو أربعة شهور فقط، وكانت زوجتي في غرفتها، فكان دخولي كالتسلل لم ينبه أحدا في البيت، وقصدت من فوري إلى الحمام لحاجة، وكان الباب مردودا، ولكنه لم يكن مقفلا، فلما دفعته انفتح ورأيت أمي في الطست الكبير، وكانت تستحم بالماء الساخن الذي كانت تحبه، وكانت قد غمرت رأسها ووجهها برغوة الصابون فلم تحس بفتح الباب ولم ترني، وكانت قد هزلت؛ لأن مرض السكر كان قد عاث فيها وحطمها، وكانت ترفض حقنة الأنسولين، فوقفت أتأملها وأتذكر تاريخها معي طيلة عمري الماضي، وكنت أتوقع موتها بعد شهرين أو ثلاثة شهور، وأحسست كأني أودعها.
وجعلت أتأمل ضلوعها البارزة، وثدييها الضامرين المترهلين، وشعرها الأبيض، وقفص العظام المركب منه جسمها الضئيل، وغمرني حب وحزن ولوعة، ووددت لو أجد الشجاعة وأرتمي على جسمها وأقبلها، وقلت في نفسي: لقد استهلكتها، أنا استهلكت أمي التي فنيت وهي على وشك الزوال الآن؛ فقد أعطتني كل ما فيها من دم وقوة كي أحيا وأنجح، وها هي ذي تبيد وتتبدد كما لو كانت دخانا بعد الإشعال، وبعد شهور ستنطفئ!
ثم رددت الباب في هدوء، وقصدت إلى غرفة الضيوف، فدخلتها وأقفلت علي الباب، وجعلت أبكي وألطم وجهي، وكنت أفعل هذا وأنا أكتم صوتي حتى لا تسمعني زوجتي؛ لأني كنت أخجل أن تراني وأنا في هذه الحال.
تهزأ وتقول إنها كانت تخيط الأزرار المقطوعة، وتطبخ الرز وترقع الجوارب؟ ألم تفن حياتها في هذه الأعمال، وكل هذا من أجلي؟!».
قلت وقد غمرني خجل: «لم أقصد إهانة والدتك، وإنما كنت أعبث بك فقط! ولكل الناس أمهات يمتن، ولكن الدنيا للأحياء وليست للأموات، ويجب أن ننسى حتى أمهاتنا ونحيا حياتنا».
ولكن كلماتي لم تخفف عنه، فإنه مسح الدموع عن عينيه بيده المرتعشة وتنهد، ثم قال: «كنت وأنا طالب بالطب أجد إرهاق المذاكرة، وكنت أضيق بأقل الأصوات، وكنت أبقى إلى كتبي وكراساتي إلى نحو الساعة الثالثة من الصباح، وما من مرة وجدت فيها أمي نائمة قبل أن أنام أنا؛ فقد كانت تقعد في غرفة أخرى وعينها مسددة إلي، تنتظر مني أية بادرة تدل على حاجة كي تنهض وتؤديها، ولم يكن يجدي طلبي إليها أن تأوي إلى فراشها.
وأذكر ذات مرة في حوالي الساعة الثامنة من الصباح، نهضت من مقعدي وأنا محطم القوى كاره للمذاكرة، وكان هذا من أثر التعب والجهد، فقمت أذرع البيت ذهابا وإيابا للانهيار العصبي الذي غمرني، وكانت أمي إلى جانبي تروح وتجيء معي، وهي لا تنطق، ثم عدت إلى مقعدي، وعادت هي إلى مكانها ترقبني، ولكنها لم تجلس، بل بقيت واقفة كأنها الديدبان، ولم تترك مكانها حتى آويت إلى فراشي، ووثقت من أني قد نمت واستغرقت في النوم».
ثم نظر إلى سقف الغرفة وجعل يتأملها، أو يتأمل ذكرياته عن أمه والتفت إلي وقال: «لما نلت شهادة الطب وأصبحت دكتورا كان فرحي بنجاحي دون فرحها؛ فقد كانت تضحك ضحكات هستيرية «وتزأط» كأنها طفل، ومنذ الأسبوع الأول لنيلي شهادة الطب شرعت تبحث لي عن زوجة، وكنت طوال السنوات العشرين الأخيرة من عمرها أواليها بحقنة الأنسولين؛ لأنها كانت مريضة بالسكر الذي أصابها عقب وفاة والدي، ولكن بعد أن تزوجت رفضت حقنة الأنسولين».
قلت: «ولماذا؟».
Halaman tidak diketahui
قال: «رفضت رفضا باتا، وقالت لي: «كنت أعيش كي أراك ناجحا، وأنت الآن دكتور متزوج، فما منفعتي لك؟ دعني أموت هانئة بك، وربنا يطيل عمرك».
وجعلت أتوسل إليها كي تأخذ الحقنة، ولكنها أصرت على الرفض، وانهارت صحتها وماتت بعد شهور».
وتنهد كلانا، وقلت: «اسمع يا دكتور شوقي: كانت أمك امرأة عظيمة، ولكن اعتقادي أن الإنسان الذي لا يعتقد أن أمه أعظم امرأة في العالم لا يعد إنسانا حسنا؛ إن كل أم امرأة عظيمة عند أبنائها».
الفصل الرابع
لماذا تزوج؟
إنهما شاذان أو فذان؛ كلاهما يحب الحب، وقد وجد مصدر هذا الحب في شريكه.
كان أصدقاؤه وأقاربه يتعجبون من كلفه بزوجته، وصحيح أنها كانت رشيقة مهذبة الكلمة والإيماءة، وكان بيتها مرتبا يجد فيه الزائر رونقا للأثاث ورقة في الهواء، على الرغم من الحر خارج البيت، كما يجد نظافة عامة، ولكن ليست كتلك النظافة المعقمة التي تجعلنا نذكر الصيدليات.
كان في بيتها فن، وكان زوجها يعود إليه، إلى بيته، من مكتبه، وهو في لهفة؛ كأنه قد غاب عنه عاما، فإذا دخله لا يتركه إلا في صباح اليوم التالي، بل إنه كان يتأفف من الزائرين له؛ كأنهم كانوا يشغلونه عن حبه المسرف لزوجته «بهجة».
وكانت بهجة تعرف فيه هذا الحب، وتضحك منه في فرح، وكانت قد تعودت منه نزوات، لم يكن فريد، زوجها، يخجل من إبدائها حتى أمام الغرباء من الزائرين؛ فقد كان يهب منتفضا من كرسيه فيقصد إليها ويغمر وجهها بوابل من القبلات، بين ضحك الزائرين وتعجبهم.
وكنت كثيرا ما أداعبهما وأقول إن هذا الكلف مفسد لهما، وأنه يجب أن يخرجا من هذا النشاط المحدود إلى نشاط أوسع؛ أي يجب أن يخرج فريد ثلاثة أيام على الأقل كل أسبوع كي يلتقي بأصدقائه في النادي أو المقهى، ويتصل عن طريقهم بالمجتمع، كما يجب على بهجة أن تزور صديقاتها وتتعرف إلى الأخبار والآراء.
Halaman tidak diketahui
ولكن لا، كان فريد يجد في بهجة كل ما يتمنى في دنياه، وكانت هي كذلك لا يتجاوز نظرها وإحساسها فريد.
وكان الناس، من أصدقاء وجيران، يقولون إن فورة هذا الحب ستخمد بعد السنة الأولى، ولكن ها هما في السنة الخامسة من زواجهما وهما على كلفهما.
لا يمكن أن يكون في الدنيا أسعد منهما.
إنهما شاذان أو فذان؛ كلاهما يحب الحب ، وقد وجد مصدر هذا الحب في شريكه.
ولم تكن بهجة قد حملت، وكان شوقها إلى أن تحمل وتلد يشغل بالها بعض الوقت، ولكن لم يكن هما ملازما؛ لأن حبها لزوجها وما تجد منه من غرام، كان ينسيها هذا الشوق.
وأخيرا حملت ... وازداد تعلق فريد بها.
ولما حان ميعاد الولادة قصدت إلى المستشفى؛ لأن الطبيب لم يطمئن إلى ولادتها في البيت، وهناك بقيت أكثر من أسبوعين وهي تحت إشراف الأطباء، وعرف فريد منهم أن الولادة لن تكون طبيعية؛ لأن الجنين ليس في الرحم؛ أي إن الحمل «خارج الرحم»، ولم يفهم فريد كثيرا في هذا الموضوع، ولذلك كان مطمئنا.
وذات يوم، عقب عودته من مكتبه في الساعة الثانية بعد الظهر، قيل له في المستشفى إنه قد أجريت لزوجته عملية، وهي العملية القيصرية لشق البطن وإخراج الجنين، وأن الجنين مات، ولكن صحة الأم حسنة.
وكاد فريد يجن من هذه الأخبار، وقصد إلى زوجته فوجد أنها لا تزال مخدرة، وهي ملففة بعصابات من القماش حول بطنها.
وحصل فريد على إجازة خمسة عشر يوما كي يلزم سرير زوجته، وكان لا يبرح غرفتها لا في النهار ولا في الليل.
Halaman tidak diketahui
وكانت كلمات الأطباء المعالجين مشجعة مبشرة، ولكن واحدا منهم أبدى له تخوفه من أن الجرح قد ظهر فيه فساد، وأنه يخشى عاقبته.
ثم فتح بطنها مرة أخرى وقطعت منه الأجزاء الفاسدة، وتألمت بهجة كثيرا، ولكنها كانت تتجلد أمام فريد.
وذات مساء، وهو نائم إلى جنب سريرها، استيقظ على صراخها، فنهض وحاول أن يوقظها، ولكنها كانت تنظر إليه كأنها لا تعرفه، وهي في رعب عظيم، تهذي عن الوحش الذي يقف عند الباب ويريد أن يفترسها.
وبعد لحظات سكنت، وكان سكون الموت.
وقال له الأطباء إن صديد الجرح انتشر في الجسم، وأن هذا هو علة هذيانها ورعبها قبل وفاتها.
ودفنت بهجة، وكان فريد يسير خلف نعشها وهو ذاهل لا يصدق أنها ماتت، وكان إحساسه غريبا؛ فقد كان يفاجئ نفسه وهو يقول: غير معقول، غير معقول أنها ماتت!
وغمره إحساس الغيظ، وكأن هذا الموت الذي خطف بهجة منه قد دبره له خصم يريد إشقاءه، فلم يكن يبكي، وغص حلقه بالغيظ حتى صار ينفث منه الدم.
ولكن بعد أيام هدأ الغيظ، وشرع يؤمن بموت زوجته، ويبكيها على المخدة صباح كل يوم.
وكنا نحن، جيرانه وأصدقاؤه، نقول: إن هذه الكارثة التي نزلت به تعلو على كل ما يستطيع أن يتحمله إنسان؛ فإنه سيبقى سائر عمره وهو أرمل لن يتزوج، وكنا نذكر كلفه بزوجته ونقول: كيف يمكن إنسان أن يعيش بعد أن زالت منه هذه السعادة؟!
كنا نأسف ونحزن، ونحس أن حزنه قد فاض من صدره وغمرنا نحن جميعا، ولم يكن منا أحد يراه وهو قادم إلى منزله يتعثر في بطء كأنه في جنازة، إلا ويتنهد ويذكر نشاطه السابق حين كان يعدو إلى بيته كي يلتقي ببهجة ويقبلها.
Halaman tidak diketahui
ما أقسى هذه الدنيا! •••
ثم كان يوم ما زلت أذكره؛ لأنه من التاريخ؛ تاريخ العجايب؛ ذلك أنه بعد وفاة بهجة بخمسين يوما فقط كانت العروس الجديدة تؤانس فريد في منزله.
تزوج فريد بعد أقل من شهرين من وفاة زوجته التي كان كلفا بها إلى حد يضحك الناس.
وأحسسنا نحن، أصدقاؤه وجيرانه، أننا نحتاج إلى الإيضاحات والمشاورات، فكنا نجتمع هنا وهناك، عند واحد منا، ونتحدث ونعلل ونفلسف.
وقال واحد منا: إنه لم يكن يحبها، إنما كان يحب حبه لها.
وقال ثان: إننا حين نحب امرأة إنما نخترع لها صورة في أذهاننا نتعلق بها، وهذه الصورة بعيدة من المرأة التي نحبها، ونحن قادرون على أن نخترع مثل هذه الصورة لامرأة أخرى، وهذا هو ما فعله فريد الذي سيكلف بزوجته الثانية كما كان يكلف بزوجته الأولى.
وقال ثالث: لا، اسمعوا، كان فريد يحب زوجته ويكلف بها، وقد تعود منها عادات صغيرة تتكامل وتتجمع فتحدث له ما نسميه السعادة، فكان سعيدا طيلة زواجه، فلما ماتت شقي؛ لأنه حرم من هذه السعادة، فلم يطق البقاء بلا زواج.
وقال رابع: هذا كلام صادق؛ إن فريد لم يكن يحب بهجة بمقدار ما كان يحب الحال الزوجية التي كان يحياها معها، وكانت حالا هنيئة، فلما ماتت سارع إلى الزواج كي يستعيد هذه الحال.
وقلت أنا: أظنكم على حق هنا؛ فإن الناس يتوهمون أن الزوج إذا أتعسته زوجته وشقي بحياته الزوجية معها فإنه يتمنى موتها ويسارع إلى الزواج من غيرها، ولكن هذا خطأ؛ لأن الأغلب أنه لن يتزوج سائر عمره؛ إذ هو يذكر الحياة الزوجية السابقة وينفر من أن يعود إلى مثلها، أما إذا كانت زوجته قد أسعدته بالزواج فإنه يسارع عقب وفاتها إلى الزواج من غيرها؛ لأن تجربته الماضية للزواج كانت حسنة، فهو يقدم على التجربة الثانية منجذبا وكله أمل في السعادة والهناء.
الفصل الخامس
Halaman tidak diketahui
ذكريات قلب
وأحست أني رجل، وأن لي شخصية، وأني مسئول؛ ألست أحب؟ ألست محبوبا؟ أليس في قلبي سر؟!
هي ذكرى لا ينساها قلبي، كما لا تزال موضوع تنهداتي كلما قعدت على عشب أو تنسمت أرج الزهر، أو هبت علي نسمة في الصباح.
لقيتها لأول مرة وهي قاعدة على مقعد مستطيل في تلك الحديقة الجميلة التي تقع على الشاطئ الغربي من النيل، وكانت قد ابتعدت عن تجمعات الزائرين، وكانت معها كراسة تدرس فيها.
وسعت بي قدماي إليها، وأنا لا أقصد غير النزهة، أتأمل العشب، وأستمتع بإنضاج الأرض، وأتنفس هواء الصباح البارد، وتأملتها قبل أن أبلغها، وأجملت النظرة إليها وأنا أبطئ السير، وكانت سنها لا تزيد على الثامنة عشرة، وكان جمالها مصريا؛ شعر أسود، وعينان وديعتان، وصدر ناهد، وأنوثة عذبة.
وتجاوزت مكانها على الممشى الذي يكسو الرمل، ولكني أحسست في قلبي نداء إليها كأنه دوار أو حنين أو نشوة.
والتفت إليها فوجدتها تنظر إلي، فكانت لحظة من السعادة ما زلت إلى الآن أسترجعها في ذهني، وأعيد تفاصيلها، وأهنأ بذبذباتها العاطفية في نفسي.
وعدت من فوري إلى مقعدها، وقعدت إلى جانبها، وبيني وبينها فرجة. وما أجمل، وما أسعد، تلك الاختلاجة التي عمت جسمها وجعلتها ترتبك في حياء مذهل وحركات مشوشة من اليدين والرأس استدللت منها على الاختلاط في إحساساتها لقعودي إلى جانبها! واغتبطت.
وكان قلبي في لغط وضوضاء، وقد تولت يدي وقدمي رعشة، ولا أعتقد أني كنت أستطيع الحديث إليها لو كنت قد أردت.
وقصارى ما فعلت أني قعدت صامتا، وأحسست أن أرض الحديقة وسماءها وأشجارها قد انفجرت غناء، وكأن قلبي قد انفتح لعصر جديد.
Halaman tidak diketahui