وكان عاطف من ذلك الطراز الانبساطي الذي يذوب؛ يذوب فرحا فيضحك كأنه سينفجر، ويذوب أسفا حتى تبلله الدموع، وكان يعرف، بالتجارب العديدة، أنه ليس شيء أفعل من رحيق الحب عندما يمتزج بملح الدموع في القبلة الحارة، وبذلك كثرت ضحاياه.
وهذا هو الذي جعلني أدعو له بالفشل؛ فقد كان خطره كبيرا على الفتيات، كما كان الخطر عليه هو نفسه كبيرا أيضا؛ إذ هو كان يحيا وهو سكران بهذا المخدر القوي: النجاح الدائم.
وحدث هذا العام ما تمنيت له، ولكن بصورة أبشع وأفظع مما تمنيت!
فإنه عرف فتاة طردته لأول لقاء، ولكنه سلط عليها ثلاثة أسلحة: الشباب والسخاء والدموع، فوقعت، وكان وقوعها عظيما؛ إذ حملت، ولم يعرف عاطف في كل مغامراته الماضية مثل هذه الكارثة، وقصد إلى الأطباء في القاهرة يساومهم على إسقاط الجنين، ولكنهم رفضوا، وفكرت الفتاة في الانتحار، وأحس عاطف بجريمته، وجعل يخفف عنها، ويمنيها بإسقاط الجنين، وبالزواج منها.
وسافر إلى طنطا، وهناك وجد من الأطباء من قبل إجراء العملية بخمسين جنيها، وخرج الاثنان من القاهرة في الصباح التالي إلى طنطا، وبعد أقل من ساعتين كان الطبيب يرتكب جريمة الإجهاض التي أتمها بعد أكثر من ساعة من العذاب للفتاة المسكينة.
وعاد الاثنان إلى القاهرة حوالي الظهر، وودع عاطف الفتاة عند باب منزلها، وتجنب السؤال عنها توقيا للشبهة، ولكنه بقي سبعة أيام وهو يتقلب على نار من القلق.
وذات صباح وهو يتصفح الجريدة قرأ نعيها؛ ماتت من عملية الإجهاض، أو من آثارها!
ولقيته بعد هذا الحادث بنحو شهر، وقد هزل وشحب، وكنت قد عرفت الخبر، فكان أول ما قلت له: كان أولى أن تموت أنت!
وجعل يحدثني ويهذي عن الانتحار، فقلت له: اسمع يا عاطف، كنت أتمنى لك فشلا يوقظك من نشوة الانتصار، ولكن شاءت الأقدار أن تسفك الدم، أو تشترك في سفكه حتى تستيقظ؛ أنت مجرم! •••
وقعت هذه الجريمة منذ خمسة شهور، ولم أره منذ ذلك اللقاء المؤلم الأخير، ولكني لم أنقطع عن السؤال عنه، وعرفت أن أم الفتاة قد أصيبت بالفالج، وأنها تلزم السرير منذ وفاة ابنتها.
Halaman tidak diketahui