وفي بعض الليالي بعد صلاة المغرب كان مع جارية فطيمٌ تلاعبه لبعض المياسير فبينما هو إلى جانبها، اهتبلت غفلتها عنه صعلوكةٌ فبقرت بطنه، وجعلت تأكل منه نيّا، وحكى لي عدة نساء أنه يُتوثَّب عليهنَّ لاقتناص أولادهن ويحامين عنهم بجهدهن.
ورأيت مع امرأةٍ فطيمًا لحيمًا فاستحسنتُه وأوصيتها بحفظه، فحكت لي أنها بينا تمشي على الخليج أنقضَّ عليها رجلٌ جافٍ ينازعها ولدها، فترامت على الولد نحو الأرض حتى أدركها فارسٌ وطرده عنها، وزعمت أنه كان يهمُّ بكلِّ عضوٍ يظهر منه أن يأكله وأنَّ الولد بقيَ مدةً مريضا لشدة تجاذبه بين المرأة والمفترس، وتجدُ أطفال الفقراء وصبيانهم ممَّن لم يبقَ له كفيل ولا حارسٌ منبثِّين في جميع أقطار البلاد وأزقَّةِ الدروب كالجراد المنتشر، ورجالُ الفقراء ونساؤهم يتصيَّدون هؤلاء الصغار ويتغذون بهم وإنّما يعثر عليهم في الندرة وإذا لم يحسنوا التحفذُظ.
وأكثر ما كان يطلع من ذلك مع النساء وما أظن العلَّة فيه إلّا أنَّ النساء أقلّ حيلة من الرجال وأضف عن التباعد والاستتار، ولقد أُحرق بمصر خاصة في أيام يسيرة ثلاثون امرأةً كلّ منهنّ تُقرُّ أنها أكلت جماعة، فرأيت امرأةً قد أُحضرت إلى الوالي وفي عنقها طفل شوي، فضربت أكثر من مائتي سوط على أن تقر فلا
تُحيرُ جوابا، بل تجدها قد انخلعت عن الطباع البشرية ثم سحبت فماتت.
وإذا أحرق آكل أصبح وقد صار مأكولا لأنه يعود شواء ويستغني عن طبخه،
ثم فشا فيهم أكل بعضهم بعضا حتى فني أكثرهم، ودخل في ذلك جماعة من المياسير والمساتير منهم من يفعله حاجة ومنهم من يفعله إستطابة، وحكى لنا رجل أنه كان له صديق أدقع في هذه النازلة فدعاه صديقه هذا إلى منزله ليأكل عنده على ما جرت به عادتهما قبل، فلما دخل منزله وجد عنده جماعة عليهم رثاثة الفقر وبين أيديهم طبيخٌ كبير اللحم وليس معه خبز، فرابه ذلك وطلب المرحاض فصادف عنده خزانة مشحونة برمم الآدمي وباللّحم الطري فارتاع وخرج فارًّا.
وظهر من هؤلاء الخُبثاء من يصيد الناس بأصناف الحبائل ويجتلبونهم إلى مكانهم بأنواع المخاتل، وقد جرى ذلك لثلاثة من الأطبّاء ممّن ينتابني، أما أحدهم فإنّ أباهُ خرج فلم يرجع، وأما الآخر فإنّ امرأةً أعطته درهمين على أن يصحبها إلى مريضِها، فلما توغّلت به
1 / 50