باب القول في الإعراب والكلام. أيهما أسبق
فإن قال: فأخبروني عن الإعراب والكلام أيهما أسبق؟ قيل له: إن الأشياء مراتب في التقديم والتأخير، إما بالتفاضل أو بالاستحقاق أو بالطبع أو على حسب ما يوجبه المعقول. فنقول إن الكلام سبيله أن يكون سابقًا للإعراب، لأنا قد نرى الكلام في حال غير معرب، ولا يختل معناه. ونرى الإعراب يدخل عليه ويخرج، ومعناه في ذاته غير معدوم. مثال ذلك أن الاسم نحو زيد ومحمد وجعفر وما أشبه ذلك، معربًا كان أو غير معرب، لا يزول عنه معنى الأسمية. وكذلك الفعل المضارع نحو يقوم ويذهب ويركب، معربًا كان أو غير معرب، لا يسقط منه معنى الفعلية. وإنما يدخل الإعراب لمعان تعتور هذه الأشياء. ومع هذا فقد رأينا الشيء من الكلام الذي ليس بمعرب قريبًا من معربه كثرة، وذلك أن الأفعال الماضية مبنية كلها على الفتح. وفعل الأمر للمواجه إذا كان بغير اللام مبني على الوقف، نحو يا زيد اذهب واركب وما أشبه ذلك. وحروف المعاني مبنية كلها. وكثير من الأسماء بعد هذا مبني ولم تسقط دلالتها على الأسمية (ولا) معانيها عما وضعت له، فعلمنا بذلك أن الإعراب عرض داخل في الكلام لمعنى يوجده ويدل عليه، والكلام إذًا سابقه في المرتبة، والإعراب تابع من توابعه.
فإن قال: فأخبروني عن الكلام المنطوق به الذي نعرفه الآن بيننا، أتقولون إن العرب كانت نطقت به زمانًا غير مُعرب ثم ادخلت عليه الإعراب، أم هكذا نطقت به في أول تبلبل ألسنتها؟ قيل له: هكذا نطقت به في أول وهلة، ولم تنطق
1 / 67