القُرآن
آيات منزلة من حول العرش، فالأرض بها سماء هي منها كواكب، بل الجند الإلهي قد نشر له من الفضيلة علم وانضوت إليه من الأرواح مواكب، أغلقت دونه القلوب فاقتحم أقفالها،
وامتنعت عليها أعراف " الضمائر فابتز " أنفالها".
وكم صدوا عن سبيله صدًا، ومن ذا يدافع
السيل إذا هدر؛ واعترضوه بالألسنة ردا، ولعمري من يرد على الله القدر؟ وتخاطروا له بسفهائهم كما تخاطرت الفحول بأذناب وفتحوا عليه من الحوادث كل شدق فيه من كل داهية ناب.
فما كان إلا نور الشمس: لا يزال الجاهل يطمع في سرابه ثم لا يضع منه قطرة في سقائه، ويلقي الصبي غطاءه ليخفيه بحجابه ثم لا يزال النور يتبسط على غطائه.
وهو القرآن كم ظنوا - مما انطوى
تحت ألسنتهم وانتشر - كل ظن في الحقيقة آثم، بل كل ظن بالحقيقة كافر، وحسبوه أمرًا هينًا لأنه أنزل في الأرض على بشر.
كما يحسب الأحمق في هذا السماء أرضًا ذات دواب نورانية لأن
هلالها كأنما سقط من حافر، وكم أبرقوا وأرعدوا حتى سالَ بهم وبصاحبهم السيل، وأثاروا من الباطل في بيضاء ليلها كنهارها ليجعلوا نهارها كالليل، فما كان لهم إلا ما قال الله: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) .
***
ألفاظ إذا اشتدت فأمواج البحار الزاخرة، وإذا هي لانت فأنفاس الحياة الآخرة، تذكر الدنيا
فمنها عمادها ونظامها وتصف الآخرة فمنها جنتها وصرامها، ومتى وعدت من كرم الله جعلت الثغور تضحك في وجوه الغيوب وإن أوعدت بعذاب الله جعلت الألسنة ترعَد من حمى القلوب.
ومعان بينا هي عذوبة ترويك من ماء البيان، ورقة تستروح منها نسيم الجنان، ونور تبصر به في مرآة الإيمان وجه الأمان. . .
وبينا هي ترف بندى الحياة على زهرة الضمير، وتخلق في أوراقها
من معاني العبرة معنى العبير، وتهب عليها بأنفس الرحمة فتَنِم بسر هذا العالم الصغير. . .
ثم بينا هي تتساقط من الأفواه تساقط الدموع من الأجفان، وتدع القلب من الخشوع كأنه جنازة ينوح
عليها اللسان، وتمثل للمذنب حقيقة الإنسانية حتى يظن أنه صنف آخر من الإنسان - إذ هي بعد ذلك إطباق السحاب وقد انهارت قَواعده والتمعَت ناره وقصفت في الجو رواعده، وإذ هي السماء
1 / 23