صعدت في السلم وقلبي يدق بسرعة. وأخذ أبي يوصيني أن أقول «سموك» في مخاطبة الأميرة. ففتحت الأبواب ورأيت أمامي امرأة طويلة القامة ذات عينين براقتين نافذتين، تخال آتية توا إلي تمد يدها لأضع فيها يدي. ولملامحها هيئة ألفها ذهني ونصف ابتسامة محجوبة تلعب حول ثغرها بلطف، فلم أتمكن من ضبط نفسي. وفي حين ظل أبي واقفا قرب الباب ينحني (لا أدري لماذا؟) انحناء عميقا خففت أنا إلى السيدة الجميلة وقلبي يقفز إلى شفتي، ثم طوقت عنقها بذراعي وقبلتها كما أقبل والدتي، فظهر الارتياح على وجهها وداعبت شعري ضاحكة. إلا أن أبي مسك بيدي ودفعني بجفاء قائلا أني صبي شرير وأني لن أرافقه مرة أخرى. فأخذتني الحيرة وصعد الدم إلى وجنتي وشعرت بسهم يخترق فؤادي الصغير وأن أبي يظلمني. نظرت إلى الأميرة أستمد دفاعا فلم أر في محياها غير الرصانة واللطف. وأدرت ببصري في القاعة ومن فيها من رجال ونساء لعلي أجد من يشاركني في ألمي فإذا بهم جميعا يضحكون، فهطلت الدموع من عيني وسرت نحو الباب وهبطت السلم مسرعا تحت أشجار الليمون حتى وصلت المنزل والتقيت بأمي، فرميت بنفسي بين ذراعيها والشهيق يقطع صدري.
فقالت: «ماذا جرى لك يا بني؟»
قلت: «آه لو تعلمين! ذهبت إلى الأميرة فوجدتها جميلة لطيفة مثلك يا أماه فلم أتمالك أن طوقت عنقها بذراعي وقبلت وجنتيها.»
فقالت: «وكيف فعلت! هؤلاء الناس أشراف أماثل وهم غرباء عنا.»
قلت: «ماذا يهمني كونهم غرباء ؟ أليس لي أن أحب كل من نظر إلي بعينين معسولتين باسمتين؟»
قالت: «لك أن تحب من تشاء يا بني. ولكن عليك أن تكتم حبك ولا تظهر منه شيئا.»
قلت: «إن لم يكن حب الغرباء جريمة فلماذا يحظر علي إظهاره؟!»
فتنهدت أمي وقالت: «إنك لمصيب يا بني. لكن عليك أن تطيع والدك. وعندما تكبر سنا وفهما تعلم لماذا لا يجوز أن تطوق عنق كل سيدة جميلة ذات عينين جذابتين.»
وكان ذلك اليوم كئيبا. عاد أبي إلى البيت وكرر أني أسأت التصرف. وفي المساء سارت بي أمي إلى سريري فجثوت وصليت. غير أني لم أنم إلا بعد أرق طويل متسائلا: من هم الغرباء الذين لا تجوز محبتهم؟
وا لوعتاه عليك يا قلب الإنسان! إن أوراقك لتجف في ربيع أيامك والريش يتساقط عن جناحيك قبل الأوان. عندما يبزغ فجر الحياة في أفق النفس ينتشر فيه عبير الحب. نحن نتعلم السير والوقوف والكلام والقراءة لكننا لا نتعلم الحب، لأن الحب جوهر الروح وجميع قوى الروح تناديه بأصواتها المختلفة. وقوة الحب أهم أصل غرسته الطبيعة في أعماق الكيان. فكما تجذب الأجرام السماوية بعضها بعضا بالجاذبية الأبدية كذلك تجذب الأرواح المتآلفة بعضها بعضا وترتبط الواحدة بالأخرى برباط الحب الأبدي. هيهات للزهرة أن تعيش بلا شمس وللإنسان أن يحيا حياة عظيمة بلا حب.
Halaman tidak diketahui