Ibrahim Abu Anbiya
إبراهيم أبو الأنبياء
Genre-genre
وهم كما يشبهون الجميع يخالفون الجميع.
وتعليل هذه المخالفة أنهم تشبثوا بأصل قديم لا يفارقونه. أما تعليل المشابهة فليس بالعسير؛ فإن مقام الصابئة عند خليج فارس يجعلهم في طريق كل ملة يتردد أبناؤها على ذلك الإقليم أو يقيمون فيه، وقد تردد عليه من قديم الزمن هنود وفرس وطورانيون وعرب وسريان وفينيقيون، واتصل به أبناء البحار كما اتصل به أبناء الصحراء، فليس بالعجيب أن تعلق بعقيدة الصابئة الأقدمين مسحة من كل ملة على طول الزمن وتتابع العهود .
فمن مشابهتهم للبراهمة أنهم يتحرجون من ملامسة غيرهم، ويتطهرون إذا لمسوا غريبا في حالة من حالات العبادة.
ومن مشابهتهم لأصحاب العقائد الأورفية - أو السرية - أنهم يكتمون كتبهم أشد الكتمان، ولا يباشرون شعائرهم مع الغرباء، ويتقاسمون الخبز المقدس علامة على الأخوة الروحية، ويعتقدون أن الكون كونان، وأن الخلق خلقان؛ فالكون الظاهر غير الكون الباطن، ولكل مخلوق في العلانية صورة محجوبة في عالم الغيب، حتى آدم وبنوه منهم أهل ظاهر وأهل باطن لا يراهم من يعيشون في العلانية.
ومن مشابهتهم للمجوس أنهم يتوجهون إلى قطب الشمال وإلى الكواكب عامة، ولكنهم لا يعبدونها، بل يحسبونها من مظاهر الروحانيات التي لا تبرز للعيان.
ومن مشابهتهم للمسيحيين أنهم يدينون بالعماد، ويبجلون يوحنا المعمدان أو يحيى المغتسل، ولكن التعميد أعم عندهم من التعميد في المسيحية، ويندر منهم من يسكن بعيدا من الأنهار؛ لحاجتهم كل يوم إلى العماد وإلى التطهير بالماء.
ومن مشابهتهم للمسلمين أنهم يقيمون الصلاة مرات في اليوم، ويقولون: إنها فرضت عليهم سبعا، ثم أسقطها يوحنا عنهم، وأدخل بعضها في بعض، واكتفى منها بثلاث، ولكنهم لا يسجدون في صلاتهم، بل يكتفون بالقيام والركوع، وهم يتوضئون قبل الصلاة، ويغتسلون من الجنابة، ويعرفون نواقض الوضوء، ولكنهم يغالون فيها.
وعندهم ذبائح كذبائح اليهود، ويوم في ختام السنة كيوم اليهود، ولكنهم يحرمون الختان، ولا يبنون لهم هيكلا قائما، بل يبنون الهيكل من القصب كما تبنى الخيام، موقوتا عند الحاجة إليه في الأعياد، فكأنها بقية أو أصل لعيد الظلال وللهيكل المنقول.
ومنهم من ينتمي إلى كاظم بن تارح، وقد ذكرهم المقريزي بين الفرق المختلفة، وكأنهم يقابلون دين إبراهيم بدين أخ له ينتمي إلى تارح، أبي إبراهيم في رواية العهد القديم.
وهم ينكرون الأنبياء ويقولون: إن الله لا يخاطب أحدا من البشر، وإنما خلق الله الروحانيات، أي الملائكة، ثم تلبست هذه الروحانيات بالكواكب النورانية، ولما احتاج الأمر إلى أمثلة لهذه الكواكب يراها العباد حين يشاءون، صنعوا لها صورا من الأوثان، وجعلوا اتجاههم إلى نجم القطب؛ لأنه ثابت في مكانه لا يختلف له فلك باختلاف الأزمان.
Halaman tidak diketahui