والحقائق دائما تهدي إلى الصواب، وترشد إلى الصراط المستقيم دائما، الصراط المستقيم الذي هو شعار الصوفية، وإليه يتحاكمون، وإليه يجب أن يحاكمهم العلماء وأحرار الفكر الذين ينشدون الحقائق.
ابن تيمية ووحدة الوجود
ولقد أخطأ في فهم تلك القاعدة رجل أكبر من الأستاذ وتلميذه، رجل من رجال الفكر الإسلامي، هو العلامة ابن تيمية؛ فلقد اهتدى إلى تلك القاعدة العلمية، قبل أن يهتدي إليها نيكولسون؛ ولكنه أخطأ كما أخطأ نيكولسون وتلميذه؛ لأنه أيضا لم يجب على السؤال الحائر.
أخطأ ابن تيمية؛ لأنه تمسك بحرفية النصوص الدينية وهو من أساطينها، وحرفية الألفاظ وهو من علمائها؛ فلم يطلق عقله من قيودها، ولم يستعمل الذوق الوجداني، أو الذوق القلبي في تفهمها، كان من رجال العقول لا القلوب، من رجال الألفاظ لا المعاني؛ فلم يفهم لغة القلب، ولم يتذوق مواجيد الروح.
يقول نيكولسون: «إن الصوفي لا يدين بوحدة الوجود، ما دام يقول بتنزيه الله - تعالى - مهما صدر عنه من الأقوال المشعرة بالتشبيه، فإذا راعى جانب التنزيه، شاهد الله في كل شيء، واعتبره في الوقت نفسه فوق كل شيء.»
الصوفي المحب الفاني يشاهد الله في كل شيء، وفي الوقت نفسه يعتبره فوق كل شيء، تلك هي الحقيقة الصوفية التي عجز عباد الألفاظ، عبيد القوالب والتراكيب الكلامية عن فهمها؛ فظنوا بالمتصوفة وحدة الوجود، وهم عباد الرحمن الذين تطوعوا لعبادة ربهم فوق الفرائض والنوافل، حتى ليعتبرون العبادة واجبا عليهم في كل نفس من أنفاسهم.
الصوفي الحقيقي المحب الفاني في مولاه، لا يرى في الوجود إلا الله، وأن كل شيء لله، ومن الله وبالله؛ فنسب كل شيء إلى الله، ورأى الله في كل شيء هو الفاعل والمدبر، رأى الله في كل شيء رؤية معنوية، لا مادية تؤدي إلى الحلول أو وحدة الوجود.
يقول - تعالى:
وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ، فهل الجواري لله أم لعباده؟
ويقول - جل جلاله:
Halaman tidak diketahui