6
يقول محيي الدين على لسان العرش: «أقسم بعلي عزته وقوي قدرته، لقد خلقني، وفي بحار أحديته غرقني، وفي بيداء أبديته حيرني؛ تارة يطلع من مطالع أبديته فينعشني، وتارة يناجيني بمناجاة لطفه فيطربني، وتارة يواصلني بكاسات حبه فيسكرني، وكلما استعذبت من عربدة سكري، قال لسان أحديته: «لن تراني.» فذبت من هيبته فرقا، وتمزقت من محبته فلقا، وصعقت عند تجلي عظمته، كما خر موسى صعقا، فلما أفقت من سكرة وجدي به، قيل لي: أيها العاشق، هذا جمال قد صناه، وحسن قد حجبناه، فلا ينظر إلا حبيب قد اصطفيناه.»
يأتي الدكتور بهذا المشهد الإيماني العظيم؛ ليستدل به على عقيدة محيي الدين في وحدة الوجود؛ وإنه لدليل من نوع أدلة أساتذته رجال الاستشراق، دليل أعد الاتهام فيه، حتى قبل قراءة البيان والبرهان.
يقول الإمام البوصيري - رضي الله عنه:
وإذا لم يصحب العلم ذوق
وجد الشهد من الجهل صابا
وإلى هنا والدكتور يردد أقوال أستاذه نيكولسون تماما، ولا يتمرد على تلك الأستاذية المحببة؛ ولكن التلميذ يجزع ويتمرد، فقد أوشك أستاذه في جذبة روحية على تبرئة محيي الدين من وحدة الوجود، والتلميذ أحرص من أستاذه على تجريح شيخ المتصوفة الأكبر.
يقول نيكولسون في كتابه «في التصوف الإسلامي»: «والصوفي لا يدين بوحدة الوجود، ما دام يقول بتنزيه الله - تعالى - مهما صدر عنه من الأقوال المشعرة بالتشبيه، فإذا راعى جانب التنزيه شاهد الله في كل شيء، واعتبره في الوقت نفسه فوق كل شيء؛ وهذه وحدة شهود لا وحدة وجود.»
وبهذا الشرط الذي اشترطه نيكولسون خرج محيي الدين من التهمة دون أن يدرك المستشرق الكبير، ولكن الدكتور التلميذ أدرك خطورة الأمر؛ فأسرع يعقب على أستاذه قائلا: «ولكننا يجب أن نتذكر أن محيي الدين - وهو من أساطين مذهب وحدة الوجود، بل واضع أساس هذا المذهب في الإسلام - قد قال بالتنزيه والتشبيه معا، ولم يغفل لحظة واحدة عن قرن أحدهما بالآخر، فهل كان هذا الصوفي من أصحاب وحدة الشهود لا وحدة الوجود على حد تعبير الأستاذ؟»
ولم يجب الأستاذ ولا التلميذ على هذا السؤال الحائر؛ لأنه بني على حقيقة علمية وحقيقة صوفية، بني على الحقائق التي أدت إلى براءة محيي الدين من هذا الإفك المتهالك.
Halaman tidak diketahui