نعم (الحج أشهر معلومات) هكذا قال الله ببيان عربي مبين ، وهل القرآن ينطق بغير العربية الفصحى (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) يوسف 2 . وإذا كان الأمر كذلك فيجب أن لا نتهم القرآن بالقصور ، بل نحاول أن نفهم الآيات بلا إنحراف ولا تقصير ، الله يقول (الحج أشهر معلومات) فيجمع الأشهر جمع قلة ويصفها بأنها معلومات ،
كيف يقول مفسر أو أكثر أن المراد بالأشهر شهر ونصف أو شهر وعشرين يوما ، إن هذا كلام وتفسير لا يليق بحق الله الذي علم الإنسان ما لم يعلم ، والذي بين في الكتاب كلما يهم الإنسان من الأحكام. إذا فالآية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن (الحج أشهر معلومات). يعني أن لكم أيها الناس أن تجعلوا للحج أربعة مواسم ، (رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم وهي الأشهر الحرم) ، فيكون الحج فيهن مفتوحا للناس ، ومسموحا للطائعين والعالمين والركع والسجود من الناس أجمعين بل للعالمين ، إن الله وسع الزمان في الحج وحدد المكان فعرفات محدود ، ومتى محدود ، والحرم بأكمله محدود . لكن الزمان مفتوح في هذه الأشهر الأربعة ، ومسموح فيها بلا حرج ولا تشديد. إن العلماء الذي قالوا أن المراد بالأشهر بعض ذي الحجة ومحرم ، أو بعض ذي الحجه وذي القعدة لم يفهموا أن القرآن منزل للعالمين ، للناس جميعا إلى يوم الدين ، فأخذوا الآية بمأخذ العصر الذي هم فيه ولم يدركوا أن وسائل المواصلات ستجعل الإنسان يصل إلى مكه من أقصى الأرض في يوم واحد ، وأنها ستستقبل من الحجاج الملايين في أسبوع واحد.
لكننا الآن وصلنا إلى هذه الحقيقة ، وأصبح الحج ممكنا للناس أجمعين وأصبح من الممكن أن يصل ملايين الناس إلى مكة في يوم واحد ، من كل فج عميق ، وعليه فإن مواجهة هذا الكم من الحجيج يتم بالعمل بالآية ، وينحل الإشكال وينكشف بالتطبيق للآية العددية ، بل تنفتح بها مجالات الحج لكل قادر بلا تحديد عدد لكل دولة ، فالناس مدعوون للحج من كل جنس ووطن ، ومن كل لون ودين ، فكيف يتم هذا ونحن محددون للحج بشهر واحد .
إن الحج كما يقول الله (أشهر معلومات) إنها الأربع الأشهر الحرم ، فكلها تصلح موسما للحج ، بدليل أنه سماها معلومات ، فلماذا سماها معلومات مع أنه قال في شهر الصيام (أياما معدودات)؟؟ إن هناك لا شك فرقا بين التعبيرين فالمعدود يعني أنه يحتاج إلى أن يعلم ، ولهذا سماه الله وقال : (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه) البقرة 185 . وإذا كان الله قد حدد شهر الصوم وسماه فذلك لنعرف عدد الأيام التي نصومها ، فكيف لم يحدد أشهر الحج ويقول مثلا :شهر ذي الحجة الذي تقام فيه المناسك ، لكنه عدل عن هذا وقال (أشهر معلومات) ومن المعروف بأنها الأربعة الحرم (فمن فرض فيهن الحج) وتأملوا الآية (فمن فرض فيهن الحج) إن الضمير في كلمة (فيهن) يؤكد أن المراد عودته إلى الأربعة الأشهر المعلومات ، فهن يصلحن جميعا لفرض ونية الحج ، فمن فرض منكم يأيها الناس فيهن أو في أحدهن الحج يكن مقبولا عند الله الذي يخاطبكم بلسان عربي مبين .
قد تقولون وكيف يكون الحج في هذه الأشهر الأربعة؟؟ ومتى يكون العيد؟؟ وكيف يكون النحر والناس قد تعودوا على موسم واحد ويوم للنحر واحد وعيد واحد؟؟ هو في ذي الحجة أي في العشر الأولى منه. نقول تلك عادة إعتادها الناس ، لأن النبي حج في هذا الشهر فاتخذ عادة ، ولم يدرك الناس أن الزمان سيتغير ويدور حتى يصبح من الواضح لهم أن للناس أن يحجوا في الأربعة الأشهر المعلومات.
قد تقولون .. أسلمنا بأن الحج أربعة أشهر فكيف نحدد الوقوف بعرفة ويوم النحر ؟؟ نقول أن التحديد وارد كما حدد في ذي الحجة ، فليكن يوم الوقوف هو اليوم التاسع من كل هذه الشهور ، وليكن يوم النحر هو اليوم العاشر من كل هذه الشهور ، تماما كما هو في شهر ذي الحجة الآن ، ولتأكيد هذا المعنى ولإبراز هذه المهمة التي تهتم بتحديد يوم الوقوف ويوم النحر نقرأ :جاء في سورة البقرة عقب آيات الصيام قول الله سبحانه وتعالى : (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) تأملوا ...يسألونك عن الأهلة أي عن سبب نقص القمر وتقديره منازل في النقص والإكتمال ، فقال الله مجيبا أن الحكمة هي أنه (مواقيت للناس) في كل شيء وفي كل مهمات وأمور الحياه ، وكان هذا يكفي لكنه خصص بعد التعميم فقال بعد ذلك (والحج) ليدل على الأهمية ، وإلا فلماذا تأتي كلمة (والحج) إذن فالأهلة هي الدليل العملي لتحديد أول يوم من الشهور الأربعة ليعرف بذلك اليوم التاسع واليوم العاشر ويتحدد برقم .
ثم أن موقع هذه الآية (يسألونك عن الأهلة) ومجيئها عقب آيات الصيام تدعونا للتأمل ، فالصيام جدير بأن يعرف أول أيام شهره ، فلماذا لم يذكر الصيام وذكر بدلا عنه الحج ، إن هذا إشعار لنا بأن الصيام يمكن تحديده بالهلال أو بإكمال العدة ، لأنه شهر واحد وأيامه معدوده ، كما وصفها الله ، ولم يقل كما قال في الحج معلومات ، فكان الحج هو الأهم بالذكر في آية الأهله ، لأنه لا بد أن يحدد أول كل شهر من شهوره بدقه ليعرف اليوم التاسع والعاشر بدقة ،
فالأشهر أربعة لابد أن يكون لها علامات تدل على بدايتها وإمارات واضحة الدلالة وتلك هي الأهله . إن كل شهر من الأربعة لا بد أن يرقب المسلمون هلاله ليعرفوا ببدايته موعد وقوفهم ونحرهم وأيام حجهم ، وعليه فإن يوم تاسع رجب هو يوم عرفه ، ويوم تاسع القعده هو يوم عرفه ، ويوم تاسع الحجة هو يوم عرفه ، ويوم تاسع محرم هو يوم عرفه .
كما أن يوم عاشر هذه الشهور إنما هو يوم النحر ، وما يليها هي أيام التشريق ، تماما كما هي في شهر ذو الحجة الذي إعتدنا عليه .وبعد هذا التقرير الذي أرجوا أنكم قد فهمتموه ، ألفت انتباهكم هنا إلى شيء هام ، هو قوله تعالى في آيات الحج وهو يعلمنا المناسك ويتحدث عن أيام التشريق قال : (واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه) البقرة 203 لماذا سماها معدودات ولم يقل معلومات؟؟ لأنها فعلا معدودة فهي ثلاثة أيام وهي أيام التشريق ، لكنه وصف أشهر الحج بأنها معلومات لأنها مسماه معلومه مشهورة ، بل موصوفه بأنها الأشهر الحرم ، فهي معلومه لكل الناس ، للمسلم والكافر ، والبادي والحاضر ، والمقيم والمسافر ، والأول والآخر ، بلا لبس ولا اختلاف ،
ولهذا كان الكفار يحتالون على حرمتها بالنسيء ، الذي وصفه الله بأنه زيادة في الكفر وبأنه ضلال مضر ، ثم أنه وعلى ضوء فهم الفرق بين معلوم ومعدود ألفت إنتباهكم إلى شيء هام آخر ، هو قوله تعالى في سورة الحج : (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ?27? ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) الحج 27/28 نعم إنها أيام معلومات ، معلومات بكونها تبدأ من يوم معلوم وتنتهي في يوم معلوم فهي أيام معلومة في الأشهر المعلومة ، تلك هي التاسع والعاشر وما يليها من أيام التشريق ، فهي معلومات في أشهرها المعلومات .
Halaman tidak diketahui