وهذا البيت أنشده سيبويه ولا الحديدا، بالنصب، كما أنشده أبو القاسم، ورد ذلك عليه.
وقيل الشعر مخفوض القوافي، وهو:
مُعَاويَ إنّنا بَشرُ فأسّجِح ... فَلسنَا بالجبالِ ولا الحديدِ
أكلتُمْ أَرْضَنَا فجردتُموهَا ... فَهلْ مِن قائمٍ أو حَصِيدِ
أترجونَ الخلودَ إذَا هَلكْنا ... وليسَ لنَا ولا لكَ مِن خُلودِ
فَهبنَا أُمةً هلكت ضياعًا ... يزيدُ أميرها وأبو يزيدِ
ذروا خَونَ الإمامة واستقيموا ... وتقديم. الأراذل والعبيد
وزعم من احتج لسيبويه: أن هذا البيت من شعر منسوب لعبد الله ابن الزبير الأسدي، ويقال: إنه للكميت بن معروف الأسدي يقول فيه:
رَمَى الحدثانُ نسوةَ آل عمرٍو ... بمقدار سمَدنَ له سُمودا
فردَّ شُعورهنَّ السُّود بيضَا ... ورَدُّ وُجُوهنَّ البيض سُودَا
أديروها بني حَرب عليكم ... ولا تَرمُوا بها الغرضَ البعيدا
وليس ينكر أن يكون البيت من الشعرين جميعًا؛ لأن الشعراء قد يستعير بعضهم كلام، وربما أخذ البيت بعينه ولم يغير كقول الفرزدق:
ترىَ النَّاس ما سِرنا يَسيرون خَلفَنَا ... وإنْ نحن أَومأْنا إلى النّاس وَقَّفُوا
فإن هذا البيت لجميل بن عبد الله، انتحله الفرزدق.
وقال قيس بن الخطيم:
إذَا قَصُرت أَسيافُنا كان وَصلُها ... خُطَانا إلى أعدائنا فنضاربِ
والقصيدة محفوضة القوافي، قال الأخنس بن شهاب اليشكري:
وإنْ قَصُرتْ أَسْيافُنا كان وَصْلهَا ... خطانا إلى أعدائنا فنضاربُ
والقصيدة مرفوعة القوافي: وقال امرؤ القيس؛ في قصيدة بائية:
لمنْ الدِّيارَ تَعِّفتْ مُذْ حِقَبْ ... فجنوب الفرْد أقْوَت فالخرِبْ
دَارُ حَيِّ بدِّلت مِنْ بعدهم ... ساكنَ الْوحشِ وللدَّهرُ عقب
عقَّب الدَّهر بهم فانتجعوا ... أَكلَ الدَّهرُ عَليهم وشرِبْ
وأخذ النابغة الجعدي نصف البيت الثالث، وعكسه في قصيدة لامية فقال:
سألتني جارتي عن أُسرتي ... وإذَا ما عَيَّ ذو الُّلبِّ سَأَلْ
سألتني عَن أُناسٍ هَلكوا ... شَرِبَ الدّهرُ عليهم وَأَكلْ
وأنشده أبو العباس المبرد في الكامل على ما في شعر امرئ القيس ونسبه إلى النابغة الجعدي، وذلك غلط.
وربما كرر الشاعر بيتًا واحدًا، من شعره، في قصيدتين مختلفتي القوافي كقول الحصين بن الحمام المري:
ولما رأيت الودّ ليسَ بنافعي ... وإن كان يَومًا ذَا كِوَاكبَ مُظْلِما
صَبَرنا وكانَ الصّبرُ منا سَجِيّةً ... بأسيافنا يَقطعنَ كفَّا ومِعْصَما
يَفلقنَ هامًا مِن أُناسٍ أَعزَّةٍ ... عَلينَا وَهُمْ كانَوا أُعقَّ وأَظْلَمَا
ثم قال في قصيدة أخرى:
ولما رأيت الودّ ليس بنافعي ... وإن كان يومًا ذا كوكب أشهبا
صبرنا وكان الصبر منا سجية ... بأسيافنا يقطعن هامًا ومنكبا
يفلقن هامًا من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعقّ وأَخْرَبَاَ
وفي شعر أبي الطيب المتنبي أبيات شعر كثيرة انتحلها ولم يغير فيها إلا شيئًا يسيرًا، كقوله:
كأنّ كلّ سؤال في مسامعه ... قميصُ يوسفَ في أجفانِ يَعقوبَ
فإن هذا البيت منقول من قول الحصين:
كأنّ كل سؤالٍ في مسامعه ... قميصُ يوسفَ في أجفانِ والده
وكقوله:
ومن نَكدِ الدُّنيا عَلى الحُرِّ أن يَرَى ... عَدُوًّا لَهُ مَا مِن صَدَاقَتهِ بُدُّ
فإن هذا البيت منقول من قول إسحاق الموصلي:
ومِن نَكدِ الدُّنيا على الحُرِّ أَنْ يَرَى ... عَدُوًَّا فَيهوَى أن يُقالَ: صَدِيقُ
فإذا كان أمر الشعر على هذه الصفة، لم ينكر أن يكون قوله: مُعاوِيَ إننا بَشرٌ فاسْجِح......قد وقع في شعرين مختلفين لعقيبة الأسدي، أو يكون قد وقع في شعر لعقيبة، مخفوض القوافي، وشعر لابن الزبير منصوب القوافي.
وأنشد أبو القاسم في باب حروف الخفض:
1 / 11