جمَاعَة من الْأَئِمَّة مثل عبد الْملك بن جريج وَمَالك بن أنس وَغَيرهمَا فدونوا الحَدِيث حَتَّى قيل إِن أول كتاب صنف فِي الْإِسْلَام كتاب ابْن جريج وَقيل موطأ مَالك وَقيل أول من صنف وَبَوَّبَ الرّبيع ابْن صبيح بِالْبَصْرَةِ
وَقَالَ الْقُسْطَلَانِيّ صنف مَالك الْمُوَطَّأ بِالْمَدِينَةِ وَعبد الْملك بن جريج بِمَكَّة وَعبد الرَّحْمَن الْأَوْزَاعِيّ بِالشَّام وسُفْيَان الثَّوْريّ بِالْكُوفَةِ وَحَمَّاد بن سَلمَة بن دِينَار بِالْبَصْرَةِ ثمَّ تلاهم كثير من الْأَئِمَّة فِي التصنيف كل على حسب مَا سنح لَهُ وانْتهى إِلَيْهِ علمه انْتهى
وانتشر جمع الحَدِيث وتدوينه وتسطيره فِي الْأَجْزَاء والكتب وَكثر ذَلِك وَعظم نَفعه إِلَى زمن الْإِمَامَيْنِ العظيمين أبي عبد الله مُحَمَّد بن اسماعيل البُخَارِيّ وَأبي الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج النَّيْسَابُورِي فدونا كِتَابَيْهِمَا وأثبتا فيهمَا من الْأَحَادِيث مَا قطعا بِصِحَّتِهِ وَثَبت عِنْدهمَا نَقله وسيما الصَّحِيحَيْنِ من الحَدِيث وَلَقَد صدقا فِيمَا قَالَا وَالله مجازيهما عَلَيْهِ وَلذَلِك رزقهما الله تَعَالَى حسن الْقبُول شرقا وغربا ثمَّ ازْدَادَ انتشار هَذَا النَّوْع من التصنيف وَكثر فِي الْأَيْدِي وَتَفَرَّقَتْ أغراض النَّاس وتنوعت مقاصدهم إِلَى أَن انقرض ذَلِك الْعَصْر الَّذِي قد اجْتَمعُوا وَاتَّفَقُوا فِيهِ مثل أبي عِيسَى مُحَمَّد بن عِيسَى التِّرْمِذِيّ وَمثل أبي دَاوُد سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث السجسْتانِي وَأبي عبد الرَّحْمَن أَحْمد بن شُعَيْب النَّسَائِيّ وَغَيرهم فَكَانَ ذَلِك الْعَصْر خُلَاصَة العصور فِي تَحْصِيل هَذَا الْعلم وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهى كَذَا فِي كشف الظنون
وَقَالَ ابْن خلدون وَكَانَ علم الشَّرِيعَة فِي مبدأ هَذَا الْأَمر نقلا صرفا شمر لَهَا السّلف وتحروا الصَّحِيح حَتَّى أكملوها وَكتب مَالك كتاب الْمُوَطَّأ أودعهُ أصُول الْأَحْكَام من الصَّحِيح الْمُتَّفق عَلَيْهِ ورتبه على أَبْوَاب الْفِقْه ثمَّ عني الْحفاظ بِمَعْرِفَة طرق الْأَحَادِيث وأسانيدها الْمُخْتَلفَة وَرُبمَا يَقع إِسْنَاد الحَدِيث من طرق مُتعَدِّدَة عَن رُوَاة مُخْتَلفين وَقد يَقع الحَدِيث أَيْضا فِي أَبْوَاب مُتعَدِّدَة باخْتلَاف الْمعَانِي الَّتِي اشْتَمَل عَلَيْهَا
وَجَاء مُحَمَّد بن اسماعيل البُخَارِيّ إِمَام الْمُحدثين فِي عصره فَخرج
1 / 60