فَلَمَّا انْتَشَر الْإِسْلَام واتسعت الْأَمْصَار وَتَفَرَّقَتْ الصَّحَابَة فِي الأقطار وَكَثُرت الفتوحات وَمَات مُعظم الصَّحَابَة وتفرق أَصْحَابهم وأتباعهم وَقل الضَّبْط واتسع الْخرق وَكَاد الْبَاطِل أَن يلتبس بِالْحَقِّ احْتَاجَ الْعلمَاء إِلَى تدوين الحَدِيث وتقييده بِالْكِتَابَةِ ولعمري إِنَّهَا الأَصْل فَإِن الخاطر يغْفل والقلم يحفظ فمارسوا الدفاتر وسايروا المحابر وَأَجَابُوا فِي نظم قلائده أفكارهم وأنفقوا فِي تَحْصِيله أعمارهم واستغرقوا لتقييده ليلهم ونهارهم فأبرزوا تصانيف كثرت صنوفها ودونوا دواوين ظَهرت شفوفها فاتخذها الْعَالمُونَ قدوة ونصبها العارفون قبْلَة فجزاهم الله ﷾ عَن سَعْيهمْ الحميد أحسن مَا جزى بِهِ عُلَمَاء أمته وأحبار مِلَّته
وَكَانَ أول من أَمر بتدوين الحَدِيث وَجمعه بِالْكِتَابَةِ عمر بن عبد الْعَزِيز خوف إندراسه كَمَا فِي الْمُوَطَّأ رِوَايَة مُحَمَّد بن الْحسن أخبرنَا يحيى بن سعيد أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كتب إِلَى أبي بكر مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم أَن أنظر مَا كَانَ من حَدِيث رَسُول الله ﷺ أَو سنته فاكتبه فَإِنِّي خفت دروس الْعلم وَذَهَاب الْعلمَاء
وَأخرج أَبُو نعيم فِي تَارِيخ أصفهان عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه كتب إِلَى أهل الْآفَاق أنظروا إِلَى حَدِيث رَسُول الله ﷺ فاجمعوه وعلقه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فيستفاد مِنْهُ كَمَا قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر ابْتِدَاء تدوين الحَدِيث النَّبَوِيّ
وَقَالَ الْهَرَوِيّ فِي ذمّ الْكَلَام وَلم تكن الصَّحَابَة وَلَا التابعون يَكْتُبُونَ الْأَحَادِيث إِنَّمَا كَانُوا يؤدونها حفظا ويأخذونها لفظا إِلَّا كتاب الصَّدقَات وَالشَّيْء الْيَسِير الَّذِي يقف عَلَيْهِ الباحث بعد الِاسْتِقْصَاء حَتَّى خيف عَلَيْهِ الدُّرُوس وأسرع فِي الْعلمَاء الْمَوْت أَمر عبد الْعَزِيز أَبَا بكر مُحَمَّد بن حزم فِيمَا كتب إِلَيْهِ أَن أنظر ماكان من سنة أوحديث فاكتبه
وَفِي هدي الساري مُقَدّمَة فتح الْبَارِي أول من جمع ذَلِك الرّبيع بن صبيح وَسعد بن أبي عرُوبَة وَغَيرهمَا وَكَانُوا يصنفون كل بَاب على حِدة إِلَى أَن انْتهى الْأَمر إِلَى كبار الطَّبَقَة الثَّالِثَة وزمن
1 / 59