رأيت الأمراء يحبون المطيع؛ لأنهم يعلمون أن الطاعة فضيلة مكملة للأخلاق، فعليك بتعليم الطاعة ولدك ليكون مقربا من الأمراء والكبراء.
رأيت الجهال يعصون فيهلكون؛ لأنهم لا يفرقون بين الخير والشر، ولا بين الربح والخسران، فيقترفون الذنوب فيذوقون أنواع الهوان. إن الجاهل قد يغلب العاقل بالثرثرة والهذر، ولكنه يقصر عن مدى الأطفال في مجال العلم والحكمة فيجتنبه الناس، ويبقى طول حياته مهجورا محسورا.
إذا رزقت ولدا فلا تضن عليه بالحكمة التي جدت بها عليك؛ فيناله من الخير بنصحك ما نالك بنصحي، وأوصه أن يبلغ رسالتك إلى ابنه من بعده؛ فتبقى الحكمة في بيتنا. وهذه نعمة كبرى.
توخ الصدق فيما تقول للأطفال؛ لأن نفس الحدث كالعجينة اللينة يسهل تشكيلها على أية صورة تريد، واعلم أن الصدق إذا كان أول ما يقابل النفس اعتادته، وبذا يمكن استئصال الرذائل منها، وغرس الفضائل مكانها.
اعلم أنك إذا فعلت ما أوصيتك به كنت قدوة عشيرتك وأهلك؛ فتتولى أنت وأولادك قيادة الشعب وزعامته، وتلك الدرجة أسمى ما تتطلع إليه النفوس الكريمة. عليك بالعدل في قولك وفعلك، واحرص على ما تفوه به حرص البخيل على درهمه، والجبان على دمه. كن خاضعا في حضرة الملك، وعيوفا في نظر أقرانك، وإذا نطقت فليكن حديثك مدعاة للإعجاب بك، والتحدث بفضلك. اقدر قولي قدره، واعلم أن نصيحة الوالد أثمن ما يقتنيه الولد.
إذا بلغت منصبي فاجتهد يا ولدي في إرضاء الملك بإتقان ما تمارس من الأعمال. احفظ شبابك تحفظ مشيبك. إذا مرضت فبادر إلى علاج جسمك فيطول بذلك عمرك، وتنتفع بحياتك أنت وغيرك، وتعيش كما عشت مائة وعشر سنين، خدمت أثناءها بلادي بالحق والعدل؛ فغمرني الملوك بالإحسان، وأغدقوا علي النعم، فكنت أسعد حالا من آبائي وأجدادي.
انتهت حكم فتاحوتب الحكيم المصري.
الكتاب الثاني
جولستان أو روضة الورد
للشاعر الفارسي مصلح الدين سعدي الشيرازي
Halaman tidak diketahui