132

فاستغربت سؤاله، ولم أكتمه أنه سؤال غريب، فعاد يسأل: وما وجه الغرابة فيه؟

قلت: وجه الغرابة فيه أنك تنتظر الاهتمام من يهود أمريكا بجماعة الوطن القومي في فلسطين، وتحسبه من الأمور الطبيعية التي لا تحتمل السؤال والاستفسار، ولكنك تستغرب من العرب المتجاورين أن يهتم بعضهم ببعض، وهم مضطرون إلى هذا الاهتمام ... نعم مضطرون إليه ولو لم ينظروا إلى المسألة من الوجهة الشعورية، أو العلاقة التاريخية الروحية؛ لأن استقرار السلام في الشرق الأدنى يعنيهم جميعا ويوجب عليهم أن يتداركوا أخطاره قبل وقوعها بشيء من الحيطة والمعاونة، ولا استقرار للسلام في الشرق الأدنى مع تهديد أمة كاملة في استقلالها، ومصالحها ومعالم وجودها.

فلاح عليه أنه كان يتوقع جوابا غير هذا الجواب ...

وكان غيره أصرح منه في السؤال - وهو كاتب في صحيفة «فلسطين بوست» الإنجليزية يراسل بعض الشركات البرقية - فسألني: هل تريد مصر أن تسيطر على سياسة البلاد العربية؟

قلت: كلا ... ولو جاءتها السيطرة طيعة هينة بغير سعي منها ؛ لأن الأساس الذي قامت عليه الجامعة العربية هو استقلال كل أمة من أمم العرب التي تشترك فيها، وبذل المجهود المستطاع لتمكين الأمم الخاضعة للحكم الأجنبي من بلوغ استقلالها، وليست لمصر مصلحة في التوسع أو زيادة التبعات والأعباء السياسية والعسكرية والاقتصادية، ولكنها ترى المصلحة كل المصلحة في التعاون بينها وبين الأمم التي تقاربها في الموقع الجغرافي، والتراث التاريخي، والوجهة السياسية ... •••

إن الشعوذة السياسية وحدها هي التي تسول لبعض الأدعياء أن ينتحلوا لأنفسهم صفة الزعامة على جميع الأمم العربية، كما ينتحلون لأنفسهم صفة الزعامة المطلقة على الأمة المصرية ...

وإنما يخدم أولئك الأدعياء أنفسهم بتلك الشعوذة البغيضة إلى كل من يطلب الحرية، وكل من يؤمن في الشرق بمبادئ الديموقراطية؛ لأنها تضير القضية المصرية كما تضير القضية العربية، ولا تنتهي إلى فائدة مرجوة لغير أولئك الأدعياء فيما يتخيلونه من الأوهام والأحلام ...

إنهم يتوهمون أنهم يروجون في سوق المناصب على قدر البضائع التي يعلنون عنها، ويدخلون في روع الأجانب أنهم قادرون على تسليمها ...

فهم يبيعون ويشترون في قضية مصر وقضية العرب على السواء، ويخرجون المسألة من حدود التعاون المحمود إلى حدود الزعامة المنكرة، وما وراءها من الدعاوى والشبهات.

ونحمد الله على أن الوقائع قد أفهمت من يفهم ومن لا يفهم أن مصر تبغض هذا النوع من الشعوذة وتتشاءم وتأباه، وأنها تعاف مزاج الدعاة الذين يدقون الطبول وينفخون الأبواق حول أنفسهم، ولا ينزهون مطلبا من المطالب عن صغائر التهريج والتهييج؛ لأنهم لا يعيشون بغير أجراس المزاد في سوق المساومات.

Halaman tidak diketahui