وقد قال لي رجل من أذكياء السوريين وذوي الغيرة منهم على القضية الفلسطينية: إن إخواننا هنا يتعبون كثيرا مع جماعة الصهيونية؛ لأنها تحاربهم بسلاح لم يتعودوه.
قال ذلك وقد مررنا بخص من القش على شاطئ البحر في جوار «يافا» يملكه رجل يهودي يطهو فيه الطعام لمن يستريحون لديه في أثناء الطريق، أو لمن يقصدونه في طلب النزهة والاستجمام، وقضاء فترة من الوقت في ضواحي الخلاء ... قال الدمشقي الأريب: لو نزل رجل من بلدنا هنا يوما واحدا، وتناول هنا وجبة واحدة، لما فارق المكان قبل أن يعيد حسبته في ذهنه، ويقدر نفقات المكان ونفقات الطعام، ومكسب اليوم الواحد ثم مكسب الأيام ...
فإذا أعجبه الحال وراقه المكسب، فما هي إلا أيام معدودات حتى يرى اليهودي خصا قائما إلى جانب خصه يبيع الطعام الذي يبيعه، ويهيئ المائدة التي يهيئها، وينزل عن بعض ربحه في أيامه الأولى؛ ليحول قصاد الخص القديم إلى الخص الجديد ...
قال صاحبي الدمشقي: فليت الصهيونية تبتلى في هذه الديار بمن ينافسونها هذه المنافسة وينازلونها بمثل هذا السلاح ...
قلت: إن الدرس غير عسير على من يرى الصراع من حوله، ويعلم عاقبة التهاون فيه ... •••
وأحسب أن المصريين والفلسطينيين في مجال الهجرة فرسا رهان، أو فارسان متقاربان ...
فمن فلسطين مهاجرون في مصر، ومن مصر مهاجرون في فلسطين، وقد يعيش الفلسطيني في مصر زمنا ثم يعود إلى بلاده، وقد ترى بينهم من يلقب بالأنشاصي والبلبيسي والطنطاوي، كما ترى بيننا من يلقب بالغزي والرملي والعكاوي، وكأنهم يتسابقون أو يتلاحقون في حلبة واحدة لا يخرجون منها، ولا يسرعون إلى تبديل معالمها، سواء في التقاليد الاجتماعية أو معيشة البيوت ... حتى «الملوخية» - وهي صحفة مصرية لا يتقنها الطهاة في غير وادي النيل - قد أكلناها في بيت أبي خضرة كما تؤكل على أفخر موائدنا التي تعتز بتقديمها في بواكيرها أو معقباتها ... لأن أبناء هذا البيت على تراثهم القديم منذ كانوا بريف مصر، ولا تزال لهم قرابة فيه ...
بين مصر وفلسطين جوار هو أقرب من جوار المكان؛ لأنه كذلك جوار التاريخ وجوار السكان.
مصر والقضية العربية
سألني فنان صهيوني: لماذا يهتم المصريون بمشاكل العرب؟
Halaman tidak diketahui