الزبد عن اللبن وترك الخداع من كشف القناع، وتبلج الصبح لذي عينين!
ثم أشار في غضب إلى عبيد الله بن يزيد صاحب شرطته وهو يقول: ابعث أعوانك إلى دار هذا المارق ليبحثوا عن الرجل الذي يخفيه.
وغاب الجند ساعة ثم عادوا يقولون: إنهم لم يجدوا لابن المرتضى ظلا، فتنفس ابن زيدون الصعداء وطفق يردد: الحمد لله! الحمد لله!
وزاد غضب ابن جهور: فر الطائر من القفص، واختفى ثانية ليعيد الفتنة مرة أخرى. ثم وجه الكلام إلى صاحب الشرطة وقال: خذ هذا الوغد إلى السجن حتى ننظر في أمره ونرى حكم الله فيه. صدق الله العظيم:
إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض .
الفصل الثامن
انتشر في الصباح خبر القبض على ابن زيدون وزجه بالسجن، فابتهج قوم وابتأس آخرون، وطفق كل رجل يتحدث في هذا الحادث مدفوعا بعاطفته وما يمليه عليه وجدانه، كدأب الناس في الحديث عن الشئون العامة، واجتمع بخان أبي إسحاق اليهودي، وهو خان فخم بسوق اليمانية، جمع من شبان قرطبة الذين يجدون من فراغهم وجدتهم
1
ما يسوغ لهم الحديث في كل أمر من أمور الدولة، قال أحدهم وكان يدعى عمر البلنسي: بلغني في الصباح ممن أثق به ولا تخالجني في أخباره خطرة شك، أن ابن زيدون كان متفقا مع ابن جهور على القبض عليه، وأن في الأمر مكيدة مدبرة يراد بها الاستيلاء على إشبيلية، والقضاء على ملك ابن عباد.
فدهش القوم وقالوا في صوت واحد: هذا غير معقول. أين الصلة بين سجن ابن زيدون والاستيلاء على إشبيلية؟ وأسرع عمر يقول: أنتم لا تدركون خفايا السياسة، فإن لها سراديب ملتوية تمرون بها أعواما ثم تعودون إلى المكان الذي بدأتم منه.
Halaman tidak diketahui