كطول ليلي بعدك؟
سلني حياتي أهبها
فلست أملك ردك
الدهر عبدي لما
أصبحت في الحب عبدك
فقالت مريم: هذا كرم لا مراء في حسنه، وفضل شاعرنا ابن زيدون لا يجحده جاحد، حتى لقد قال بعض أدبائنا: من لبس البياض، وتختم بالعقيق، وقرأ لأبي عمرو، وتفقه للشافعي، وروى شعر ابن زيدون فقد استكمل الظرف كله.
وهنا تحركت ولادة في مجلسها متأففة وقد بدا على وجهها السأم وقالت: أنت متعصبة لهذا الرجل يا مهجة. - لست متعصبة، ولكني أحس لشعره حلاوة لا أجدها في سواه، ولا أعيب على الرجل إلا شيئا واحدا: هو صداقته لعائشة بنت غالب! أتعرفينها يا سيدتي؟ - أعرفها، وأعرف أنها فتاة غيور، تظهر للناس غير ما تبطن، وأن لها نفس نمرة في جسم امرأة وأن صاحبك ابن زيدون صب بها مفتون. - من أخبرك بهذا يا سيدتي؟ - أخبرتني امرأة تعرف كل شيء في هذه المدينة، فلو غاب دلو في الوادي الكبير لعرفت مستقره ومستودعه. ولكنها غربال أسرار. تقول لك الخبر في صوت خافت. وتستحلفك بأغلظ الأيمان ألا تبوحي به لإنسان. فإذا تجاوزتك إلى الباب أخبرت خادمتك نفس الخبر. وكررت عليها نفس الأيمان. وهي من الخيرات الكريمات. تفنى في محبة أصدقائها، ولا تأخذها رحمة في البطش بأعدائها. - من هذه بالله عليك يا سيدتي؟ - كنت أظنك أذكى من ذلك وأفطن. - إن اسمها يجري على لساني. ولكني أبغض الرجم بالظنون. أليست هي نائلة الدمشقية؟ - هي هي يا حبيبتي بعينها تحفة قرطبة. وعجوزها المدللة. وهل يخفى القمر؟ - إنها امرأة بارعة أديبة. لها أسلوب عجيب في اجتذاب الرجال. والتسلط عليهم وإخضاعهم لأمرها، لا يوصد في وجهها باب، ولا تخلو منها ندوة، ولا تحجب دونها أسرار القصور. ودارها ملتقى شباب قرطبة، حتى لكأنها حينما يئست من بشاشات الشباب، أرادت أن تراها في سواها. والغريزة إذا عجزت قنعت بالنظر، واكتفت بالخيال.
وبينما هي منهمرة في الحديث، إذ دخلت عتبة جارية ولادة تقول: إن سيدتي نائلة الدمشقية حضرت الساعة، وهي تنتظر في بهو الورد. فنظرت ولادة إلى مهجة في ابتسام وعجب وقالت: لو ذكرنا الشيطان ما جاءنا هكذا وثبا! ما سبب هذه الزيارة في تلك الساعة يا ترى؟ فهزت مهجة كتفيها، ومطت فمها تقول: أغلب الظن أنها جاءت للحديث وإطلاق عنان اللسان، وذكر أخبار المدينة وما يجري فيها من خير وشر. - ولكنها مسلية حقا، ولها أسلوب في الحديث يقهرك على الاستماع له، ويجتذبك إلى الاشتراك فيه، وهي مزية لا يظفر بها ثرثار إلا في الندرى.
3
هلم إليها يا مهجة.
Halaman tidak diketahui