Hashiyat Tartib
حاشية الترتيب لأبي ستة
وإنما خص القدر بالذكر لأنه هو الذي ورد فيما ذكره من الأحاديث، وإلا فالقضاء أيضا مما يجب الإيمان به، وقد جمعهما في الضياء في ترجمة واحدة فقال: (باب في القضاء والقدر)، وقد جمعهما الشيخ الذي سأل علي بن أبي طالب حين رجع من صفين فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء وقدر؟ قال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما وطئنا موطئا، ولا هبطنا واديا، ولا علونا قلعة إلا بقضاء وقدر، فقال الشيخ: أحتسب عنائي، والله ما أرى لي من الأجر شيئا، فقال له علي: بل أيها الشيخ لقد عظم الله أجركم في مسيركم وأنتم سائرون، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرين، فقال الشيخ: كيف لم نكن مضطرين والقضاء والقدر ساقنا، وعنهما كان مسيرنا وانصرافنا؟ فقال علي: ويلك أيها الشيخ لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حاتما، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، والوعد والوعيد، والأمر والنهي، ولم تكن لائمة لمذنب، ولا محمدة لمحسن، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء، ولا المسيء أولى بالذم من المحسن، تلك مقالة عبدة الأوثان، وجند الشيطان، وخصماء الرحمن، وشهود الزور، وأهل الغي عن الصواب، وهم قدرية هذه الأمة ومجوسها، إن الله أمر تخييرا، ونهى تحذيرا، وكلف يسيرا، ولم يعص مغلوبا، ولم يطع مكرها، ولم يرسل الرسل عبثا، ولم يخلق السماوات الأرض وما بينهما باطلا، {ذالك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار}[ص:27]، فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول شعرا:
أنت الإمام الذي نرجو بطاعته ... يوم النشور من الرحمن رضوانا
أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا ... جزاك ربك عنا فيه إحسانا
إلى آخره، ثم بين في الضياء معنى كونهم قدرية ومجوسا، فليراجع.
وقال أيضا ومعنى كلام علي: أن الله لم يجبر عباده على طاعته ولم تكن معصية العاصي لغلبة، ولا طاعة المطيع على كره وجبر، تعالى الله عز وجل.
Halaman 87