<1/1>بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الكتاب
الحمد لله الذي أوضح لمعالم السنة سبيلا، وجعلها على أحكام الشريعة دليلا، ومهد بها لمشارع الهداية وصولا، والصلاة والسلام على محمد المبعوث للعالمين رسولا، المؤيد بالبراهين القاطعة، والحجج الساطعة والآيات الباهرة. أظهره الله بها على الكفرة الجاحدة، وغيرهم من الملحدة المتنافرة، وأمده بالكتاب الناطق واللسان الصادق، رحمة وبشرى للمؤمنين، وموعظة وذكرى للمتقين؛ فشفا بهما من ظمأ القلوب غليلا، وصار سيف الحق ببرهانهما صقيلا، وصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بكرة وأصيلا. وبعد:
فلما كان علم الأحاديث النبوية من أنفس ما يقتنى، وأعز ما يشتغل بتوصيله ويعتنى، صنف فيها الحفاظ المبرزون مصنفات كثيرة، لاشتمالها على المنافع الدينية والدنيوية، وكان من أصحها رواية، وأخفها رعاية تصنيف أبي يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني المسمى بكتاب الترتيب أجراه الربيع بن حبيب أولا، لكون أحاديثه غير مرسلة، بل هو عن أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة عن جابر بن زيد عن ابن عباس وغيرهم عن النبي عليه السلام ورضي الله عنهم أجمعين.
Halaman 1
غير أن في بعض أحاديثه صعوبة وإجمالا يحتاجان إلى الحل والبيان، والكشف عن وجه عرائسه الحسان، غمست بذلك في خدرها زمانا فلا تستطاع، ولم تتعلق بنيلها الأطماع، إلى أن من الله على عباده المؤمنين وأوليائه المتقين، المجدين في طلب العلم، المجتهدين مثل العالم العلامة، البحر الحبر الفهامة، الجامع بين المعقول والمنقول، الشيخ أبي عبد الله محمد بن عامر بن أبي ستة السدويكشي، رجع من مصر القاهرة البهية، إلى جزيرة جربة <1/2> الفاخرة المحمية، في رجب سنة ثمان وستين وألف، فشمر عن ساق الجد والاجتهاد، في شرح هذا الكتاب وغيره من كتب الأصحاب، وحل صعوبتها، وبين مجملها ومشكلها ترغيبا للطلاب، ورجاء جزيل الثواب من الملك الوهاب، جازاه الله بحسن صنيعه الجنة العلية، والغرف البهية في جوار خير البرية صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الخيرية، وهذا أول كلامه بعد قول المصنف.
<1/3>الباب الأول
في النية
قوله: «نية المؤمن خير من عمله».
بدأ رحمه الله بحديثي النية تنبيها للطالب على مزيد الاعتناء والاهتمام بحسن النية، والإخلاص في الأعمال، فإنه روحها الذي به قوامها، وبفقده تصير هباء منثورا.
قال الشيخ أبو طاهر رحمه الله في القواعد بعد ذكر الحديث ومعناه والله أعلم: "إن النية في نفسها خير من الأعمال إذا كانت لا تصح إلا بها، ونية المؤمن اعتقاده طاعة الله ولو عاش ألف سنة، وإن مات دونها انقطع عمله ولم تنقطع نيته" إلى آخره.
وقوله رحمه الله: «ونية المؤمن» هو بالواو فيما رأيناه من النسخ، والظاهر أن يكون بالواو ليكون توجيها ثانيا للحديث. وحاصل التوجيهين: إنما كانت النية أفضل من الأعمال إما لتوقف صحة العمل عليها، وإما لأنها مستدامة والعمل منقطع، ثم ظهر أن الأولى صنيعه رحمه الله، فتكون خيرية النية معللة بوجهين: أحدهما توقف الأعمال عليها، والثاني دوامها مع انقطاع العمل.
Halaman 2
ثم قوله: «خير من عمله» يحتمل أن المراد خير من عمله الذي تجرد عن النية، وهو المناسب للتوجيه الأول، فيكون أفعل التفضيل على بابه، على حد {اصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا}[الفرقان:24] يعني أنهم حازوا أصل الفعل. ويحتمل أنه خير من عمله مطلقا وهو المناسب للتوجيه الثاني، لدوامها وانقطاعه، فيكون أفعل على بابه، والله أعلم.
<1/4>وفي كلام بعضهم ما يدل على أن معنى كون "نية المؤمن خير من عمله" أن النية أحد أقسام كسب العبد، فإنه يكون بالقلب والجوارح واللسان، وهي تكون عبادة بانفرادها بخلاف القسمين الأخيرين، ولأن القول والعمل يدخلهما الفساد بالرياء، بخلاف النية، والله أعلم.
وزاد في الجامع الصغير في هذا الحديث: "وعمل المنافق خير من نيته، وكل يعمل على نيته؛ فإذا عمل المؤمن عملا نار في قلبه نور". ولعل هذه الزيادة لم تثبت عند المصنف رحمه الله ولذلك تركها، ولم يتكلم شارح الجامع على هذا الحديث بشيء.
وسمعت عن بعض فقهائهم أن هذا الحديث ورد على سبب، وذلك أن عثمان أراد أن يحفر بئرا في موضع فسبقه إليها بعض المنافقين فحفرها فقال عليه السلام: "نية المؤمن" إلى آخره، والمعنى أن نية المؤمن الذي هو عثمان خير من عمل ذلك المنافق؛ ولكن لا يناسبه بقية الحديث عندهم، فالظاهر الأول، والله أعلم.
Halaman 3
والنية؛ قال الراغب: "تكون مصدرا واسما من نويت، وذكر غيره أنه يجوز فيها التشديد على أنها من نوى بمعنى قصد، فأصل نية (نوية) فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، كما في سيد وميت، ويجوز فيها التخفيف على أنها من نوى بمعنى (بعد وأبطأ) لأن النية وسيلة لحصول المنوي مع بعده لعدم الوصول إليه بالجوارح وحركاتها الظاهرة، وأصلها نوية بكسر النون فأعل إعلال سنة" وهي لغة: القصد الذي عززه القلب، وشرعا: قصده المقترن بالفعل، أي إلا في الصوم، لقوله عليه السلام: "لا صوم لمن لم يبيت الصيام من الليل"؛ وكذلك الكفارات. وعند قومنا يجوز تقديم النية على الشروع في الفعل، ويستحب عندنا وعند الشافعية وبعض أصحاب مالك مساعدة اللسان لها خلافا للمشهور من مذهب مالك، ومحلها القلب؛ وقيل الدماغ. ورد بأن هذا لا مجال للراد فيه بل يتوقف على السمع، والأدلة السمعية دالة على الأول كقوله تعالى {ومآ أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة:5] والإخلاص إنما يكون بالقلب. <1/5> قال العلقمي في الحديث الثاني: "قال بعضهم: والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليحسن تطبيقه على ما بعده" وتقسيمه بقوله: «فمن كانت هجرته» إلى آخره فإنه تفصيل لما أجمله واستنباط للمقصود عما أصله على أهل الإشارة.
قال بعضهم: "النية جمع الهم في تنقية العمل للمعمول له وأن لا يسنح في السر ذكر غيره، وقال بعضهم: نية العوام في طلب الأغراض مع نسيان الفعل، ونية الجهال التحصن عن سوء القضاء ونزول البلاء، ونية أهل النفاق التزين عند الله وعند الناس، ونية العلماء لحرمة ناصبها لا لحرمتها، ونية أهل التصوف ترك على ما يظهر منهم من الطاعات، ونية أهل الحقيقة في ربوبية تولدت عن عبودية". انتهى كلام الطيبي.
Halaman 4
وإنما شرعت لتمييز العبادة من العادة، كالغسل يكون للجنابة تنظيفا وعبادة، أو لتمييز العبادات بعضها عن بعض كالتيمم يكون للجنابة والوضوء؛ وصورتهما واحدة، والصلاة تكون فرضا ونفلا، وكذلك الصوم والحج وغير ذلك.
قال ابن حجر: "فلا تجب في عبادة لا تكون عادة أولا تلتبس بغيرها كالإيمان بالله، والمعرفة به، والخوف والرجاء، والنية، والقراءة والأذكار، حتى خطبة الجمعة على الأوجه، لتمييزها بصورتها مع لزوم التسلسل أو الدور لو اتفقت النية على نية، ولزوم التناقض المحال لو توقفت المعرفة عليها، إذ هي قصد المنوي؛ ولا يقصد إلا ما يعرف، فيلزم أن يكون الإنسان عارفا بالله تعالى قبل معرفته به، فيكون عارفا به غير عارف به في حال واحدة، إلى أن قال: ولا تجب في المتروك كترك الزنا إلا لحصول ثواب الترك، لأن القصد اجتناب المنهي وهو حاصل بانتفاء وجوده، وإن لم تكن نية. إلى آخره، وكذا لا تجب في إزالة النجاسات، ورد المغصوب والعواري والودائع وقضاء النفقات، وغير ذلك مما هو معقول المعنى، إلا إذا أراد حصول الثواب"، والله أعلم.
قول: "الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى". هذا الحديث متفق على صحته، وهو مجمع على عظم موقعه وجلالته وكثرة فوائده، وأنه أصل عظيم من أصول الدين.
<1/6> قال أبو عبيد: "ليس في الأحاديث أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه"، ومن ثم قال أبو داود: "إنه نصف العلم، ووجهه أنه أصل أعمال القلب والطاعة المتعلقة بها، وعليه مدارها"، فهو قاعدة عظيمة للدين، ومن ثم كان أصلا في الإخلاص أيضا، وأعمال القلب تقابل أعمال الجوارح بل تلك أجل وأفضل. بل هي الأصل فكان نصفا، بل أعظم النصفين كما تقرر.
Halaman 5
وقال كثيرون، منهم الشافعي: "إنه ثلث العلم"، قال البيهقي: "لأن كسب العبد إما بقلبه أو بلسانه وجوارحه، فالنية أحدها وأرجحها لأنهما تابعان لها صحة وفسادا، وثوابا وحرمانا، ولا يتطرق إليها رياء ونحوه بخلافهما". ومن ثم ورد "نية المؤمن خير من عمله" إلى آخره، قاله ابن حجر، ثم قال: وقال الشافعي أيضا: "إنه يدخل في سبعين بابا. ولم يرد به المبالغة، خلافا لمن وهم فيه، لأن من تدبر مسائل النية في متفرقات الأبواب وجدها تزيد على ذلك، إذ يدخل في ربع العبادات بكماله، وكنايات العقود والحلول والإقرار والأيمان، إلى آخر ما أطال فيه، قال بعضهم: "وليس متواترا كما زعمه بعض الناس بفقد شرط التواتر في أوله، ولكنه مجمع على صحته".
وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله حيث قال: "وبهذا السند فإن ابن عباس رضي الله عنه راو لهذا الحديث عن النبي من غير واسطة، خلافا لما ذكره القوم في كتبهم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد انفرد برواية هذا الحديث عن النبي. قال اللخمي: "وقد روي من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة وابن عباس، وابن عمر ومعاوية"، قالوا: ولا يصح سنده إلا من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتهى، ووافقه على ذلك ابن حجر حيث قال: إذا لم يرو هذا الحديث غيره من طريق صحيح، وإن رواه عنه نحو عشرين صحابيا انتهى، وذكر كل منهما أنه لم يروه عن عمر رضي الله عنه إلا علقمة بن وقاص الليثي، ولم يروه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التميمي، ولم يروه عن محمد إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، وروى عن يحي نحو مائتين وخمسين رجلا انتهى، واللفظ للخمي.
Halaman 6
والعجب منهما كيف يثبتان الرواية عن عمر لجماعة من الصحابة ثم يقصرونها على علقمة بن وقاص ومن ذكر بعده، ولعل هذا بالنظر إلى ما صح عندهم، وهي <1/7> بشهادة نفر في قصرها على عمر وعلى علقمة عن عمر، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وذكروا أنه روي في الصحيحين عندهم بألفاظ "إنما الأعمال بالنيات. إنما الأعمال بالنية. الأعمال بالنيات. العمل بالنية" قال اللخمي: وجه إفراد النية على إحدى الروايتن لكونها مصدرا، وإنما جمعت في رواية بالنيات لاختلاف أنواعها ومعانيها، لأن المصدر إذا اختلفت أنواعه جمع نحو العلوم والحلوم والأشغال، فمتى أريد مطلق النية من غير نظر لأنواعها تعين الإفراد، ومتى أريد ذلك جمعت. انتهى.
ثم قوله: «الأعمال» قال ابن حجر الهيثمي: هي حركات البدن؛ فيدخل فيها الأقوال ويتجوز بها عن حركات النفس وأثرها، أي أثر الأعمال على الأفعال لئلا يتناول أفعال القلوب وهي لا تحتاج لنية، وأل فيها للعهد الذهني، أي غير العادية لعدم توقف صحتها على نية، أو للاستغراق وهو ما حكي عن جمهور المتقدمين؛ ولا يرد عليه نحو الأكل من العاديات، ونحو قضاء الديون من الواجبات، لأن من أراد الثواب عليها احتاج إلى نية كما يأتي، لا مطلقا لحصول المقصود بوجوده وصورته. انتهى.
وقوله: «بالنيات» يجوز فيه التشديد والتخفيف على ما تقدم، والباء للسببية، وقيل للمصاحبة، فعلى الأول هو جزء من العبادة وهو الأصح، وعلى الثاني شرط، قاله ابن حجر، وقال العلقمي: قال شيخنا: قال الكراطني: الباء للمصاحبة، وقيل: للاستعانة، وقال ابن فرحون في إعراب العمدة: هي للسببية، أي إنما الأعمال ثابت ثوابها بسبب النيات، وتحتمل الإلصاق لأن كل عمل يلتصق بنيته، وقال الحافظ ابن حجر يحتمل أن تكون للسببية بمعنى أنها مقدمة للعمل، فكأنها سبب في إيجاده، ولا بد من محذوف يتعلق به الجار والمجرور، إلى آخره، يعني لأنه وقع خبر المبتدإ.
Halaman 7
قال اللخمي ناقلا عن شيخه تقي الدين في شرح العمدة: "فمن أوجب النية قدره (إنما الأعمال مجزية أو معتبرة بالنيات، أو إنما صحة الأعمال أو اعتبار الأعمال بالنيات)، فيكون إنما حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ومن لم يوجبها قدره (إنما الأعمال كاملة بالنيات، أو إنما كمال الأعمال بالنيات). وحجة الأول من حيث إن الصحة أكثر لزوما للحقيقة من الكمال، فالحمل عليها أولى،لأن <1/8> ما كان ألزم للشيء كان أقرب خطورا للبال عند إطلاق اللفظ. وهذا الحديث أصل في وجوب النية في سائر العبادات انتهى". يعني إلا ما قام الدليل على إخراجه من هذا العموم، كأن تكون عبادة معقولة المعنى كغسل النجاسات، أو تكون من باب الترك كترك الزنا وشرب الخمر ونحو ذلك، إلا إذا أراد حصول الثواب على ذلك فلا بد من النية كما تقدم، والله أعلم.
قوله: «ولكل امرئ ما نوى» في كتب قومنا (وإنما لكل امرئ ما نوى) قال ابن حجر الهيثمي: "أي جزاء الذي نواه دون الذي لم ينوه؛ ودون ما نواه غيره له، فاستفيد من هذه الجملة دون التي قبلها وجوب التعيين في نية ما يلتبس إلى آخره، وقال اللخمي: "إن قلت: ما فائدة قوله (وإنما لكل امرئ ما نوى)، بعد تقدم لفظ يقتضي العموم وهو قوله: (إنما الأعمال بالنيات)؟ قلت: فيه معنى جليل وهو أن اللفظ به يقتضي اشتراط النية لكل عمل؛ وذلك يقتضي منع الاستنابة في النية؛ فاعرفه. وقد استثني من هذا نية الولي عن الصبي في الحج، إذ لو نوى واحد عن غيره لصدق عليه أنه عمل بنيته وذلك ممتنع، فلما قال صلى الله عليه وسلم: (وإنما لكل امرئ ما نوى) أفاد النص على منع الاستنابة في النية فاعرفه، وقد استثنى من هذا نية الولي عن الصبي في الحج، والمسلم عن زوجته الذمية عند طهرها من الحيض على القول بذلك، وحج الإنسان عن غيره، انتهى".
Halaman 8
وهذا الحديث فيه زيادة في كتب قومنا لفظها (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) وتكلموا عليه بما يطول ذكره، فليراجع.
<1/9> الباب الثاني
في ابتداء الوحي
الظاهر من سوق كلامه رحمه الله أنه ترجم لشيء ولم يتكلم عليه، اللهم إلا أن يقال: أراد بابتداء الوحي كيفية نزوله مطلقا والله أعلم، وقد بين كيفية ابتداء الوحي في المواهب وغيره من كتب قومنا.
Halaman 9
قال في المواهب بعد كلام على كمية عمره صلى الله عليه وسلم، حين نزل عليه الوحي ما نصه: "وروى البخاري في التعبير من حديث عائشة: "أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح" وكان يأتي حراء فيتحنث فيه (وهو التعبد) الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة يتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} حتى بلغ {ما لم يعلم}، فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، وقال: يا خديجة مالي؟، وأخبرها الخبر، ثم قال: قد خشيت على نفسي، فقالت له: كلا، أبشر. <1/10> فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، ثم انطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن قصي (وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي) فقالت له خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: ما ترى؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، ياليتني فيها جذعا أكون حيا حين يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أومخرجي هم؟ فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي به، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا". ثم لم يلبث ورقة أن توفي.
Halaman 10
وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي بنفسه منه تبدى له جبرائيل فقال له: يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبرائيل فقال: له مثل ذلك، انتهى".
والوحي ذكر له في السؤالات ثمانية أوجه، حيث قالوا: والوحي يتصرف على ثمانية أوجه: على الاسترسال كقوله عز وجل: {إنآ أوحينآ إليك كمآ أوحينآ إلىا نوح والنبيين منم بعده...} الآية [النساء:163]، والذي أوحي إليهم الأعمال بالنيات، عن أبي عمرو وعن أبي محمد ماكسن قال: فوفقه الله في آرائه وأوحى الصواب إلى قلبه أي ألهمه الصواب. والثاني: بمعنى الإلهام كقوله: {وأوحىا ربك إلى النحل} [النحل:68]، {وأوحينآ إلىآ أم موسى}[القصص:7] أي ألهمها، والثالث: على الأمر قوله تعالى: {وإذ اوحيت إلى الحواريين}[المائدة:111] أي أمرتهم، والرابع: على معنى البيان كقوله تعالى: {ولا تعجل بالقرءان من قبل أن يقضى إليك وحيه} [طه:114] أي بيانه، والخامس: الوسوسة كقوله تعالى: {يوحي بعضهم, إلىا بعض زخرف القول غرورا} [الأنعام:112] أي يوسوس، والسادس: على معنى القرآن {قل انمآ أنذركم بالوحي}[الأنبياء:45] أي بالقرآن، والسابع: على معنى الإيماء والإشارة كقوله عز وجل: {فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا}[مريم:11] أي أومى، والثامن: على معنى الاستقرار كقوله تعالى: {بأن ربك أوحىا لها}[الزلزلة:5] أي أقرها فاستقرت، لها أي إليها، وهدأت <1/11> وسكنت عن الحركة والزلزلة التي أصابتها، وقال: أوحى لها القرار فاستقرت.
Halaman 11
والوحي أصله الكلام الخفي؛ قال الشاعر يذكر ظليما وهقلة:
أوحى لها بأنقاض ونقنقة ... كما تراطن في أفدانها الروم
والوحي الكتاب قال جرير إلى آخره، ولا يناسب ما نحن فيه من المعاني المذكورة إلا كونه بمعنى القرآن أو الكتاب أو الكلام الخفي. وكلام القواعد يدل على أن المراد به هو العلم الذي خص به الأنبياء والرسل عليهم السلام، حيث قال: "والوحي علم الأنبياء والرسل". وسئل النبي عليه السلام فقيل له: كيف يأتيك الوحي؟ إلى آخره. فذكر رحمه الله الحديث عقب تفسير الوحي فدل على أنه بذلك المعنى، وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: {إلا وحيا}[الشورى:51] "كلاما خفيا يدرك بسرعة، لأنه تمثيل ليس في ذاته مركبا من حروف مقطعة يتوقف على تموجات متعاقبة، إلى آخره".
وقال في الصحاح: "الوحي الكتاب وجمعه وحى مثل حلي وحلى، إلى أن قال: والوحي أيضا الإشارة والكتابة والرسالة والإلهام والكلام الخفي وكل ما ألقيته إلى غيرك؛ يقال: أوحيت إليه الكلام وأوحيت وهو أن تكلمه بكلام تخفيه إلى آخره"، وهذا المعنى الأخير شديد المناسبة للحديث، والله أعلم.
قوله: «مثل صلصلة الجرس» الصلصلة الصوت المضاعف؛ قال في الصحاح: "وصلصلة اللجام صوته إذا ضوعف، وتصلصل الحلي إذا صوت إلى آخره، والجرس بفتح الراء وبالسين الذي يعلق في عنق البعير، والذي يضرب به أيضا، وفي الحديث "لا تصحب الملائكة وفقة فيها جرس".
قوله: «وهو أشده علي» أي أعظم حالات الوحي عليه وأصعبها.
قوله: «وقد وعيت» هو بفتح العين بمعنى حفظت وجمعت. وانظر هل هاتان الحالتان خاصتان بإتيان الوحي عيانا؟ وإنما خصهما بالذكر لكون ذلك هو الغالب في حقه صلى الله عليه وسلم، أو هما شاملتان لجميع حالاته، فليحرر.
Halaman 12
قوله: «ليتفصد عرقا» الرواية في القواعد (لينصب عرقا)، ومؤدى الروايتين واحد، فإن الأولى بمعنى يسيل، والثانية بمعنى ينسكب، قال في <1/12> الصحاح: "وانفصد الشيء وتفصد سال، وقال أيضا: أصببت الماء فانصب أي سكبته فانسكب"، وفي بعض النسخ ليتفصد والمعنى واحد.
قوله: «أي فيذهب عنه» الظاهر أن هذا تفسير مزاد؛ ولذلك تعرض له، وليس هو معناه اللغوي كما يدل عليه كلام الصحاح حيث قال: فصم الشيء كسره من غير أن يبين، تقول: فصمته فانفصم، قال الله تعالى: {لا انفصام لها} [البقرة:256] وتفصم مثله، إلى أن قال: وأفصم المطر أي أقلع، وأفصمت عنه الحمى انتهى". وفي بعض النسخ فيفصم عنه أي فينجلي، فعلى هذا يكون من أفصم المطر بمعنى أقلع، قال الخطابي: "وقوله: (يفصم عني) أي يقلع وينجلي ما يغشاني منه، وأصل الفصم القطع ومنه لا انفصام لها، إلى آخره".
<1/13> الباب الثالث
في ذكر القرآن
<1/17> قوله: «فرتله ترتيلا» قال في الصحاح: "الترتيل في القراءة الترسل فيها والتبين بغير بغي، وكلام رتل بالتحريك أي مرتل، وثغر رتل إذا كان مستوي الأسنان، ورجل رتل مثل تعب بين الرتل أي مفلج الأسنان، إلى آخره".
Halaman 13
قوله: (بغير بغي) لعله البغي، مجاوزة المقدار بغير تغن. وقال: البيضاوي في قوله: {ورتل القرآن ترتيلا}[المزمل:4] اقرأه على تؤدة وتبيين حروف بحيث يتمكن السامع من عدها، من قولهم: ثغر رتل ورتل إذا كان مفلجا"، وقال في محل آخر: "وأصل الترتيل في الأسنان هو تفليجها إلى آخره"، والترسل التوءدة، قال في الصحاح: "وترسل في قراءته أي اتأد فيها" وهي في بعض كتب قومنا، وقالت حفصة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها إلى آخره، وروي عن قتادة أنه قال: سألت أنس بن مالك عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كان يمد مدا"، وفي رواية أخرى عنه: "كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: (كانت مدا). ثم قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} بمد باسم الله وبمد بالرحمن وبمد بالرحيم. وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته، يقول: الحمد لله رب العالمين ثم يقف، الرحمن الرحيم، ثم يقف، قال: وكان يقرؤها {مالك يوم الدين}.
وقال العلماء: قول أم سلمة: "كان يقطع قراءته" يدخل فيها جميع ما كان يقرؤه عليه السلام من القرآن، وإنما ذكرت فاتحة الكتاب لتبين صفة التقطيع، أو لأنها أم القرآن فيغني ذكرها عن ذكر ما بعدها.
قال بعضهم: وتقطيع القرآن آية آية أولى عندنا من تتبع الأغراض والمقاصد والوقوف عند انتهاءها لحديث أم سلمة رضي الله عنها إلى آخره، وقيل لعائشة رضي الله عنها إن رجالا يقرأ أحدهم القرآن في ليلة مرتين أو ثلاثا، فقالت: أولئك قرؤوا أولم يقرؤوا إلى آخره. قال بعضهم: وأكثر العلماء يستحبون الترتيل في القراءة ليتدبره القارئ، ويتفهم معانيه.
Halaman 14
<1/18> وروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك في الهز في القراءة فقال: من الناس من إذا هز كان أخف عليه، وإذا رتل أخطأ، ومن الناس من لا يحسن بهز، والناس في هذا على قدر درجاتهم وما يخف عليهم، وكل واسع، وقد روي عن جماعة من السلف أنهم كان يختمون القرآن في ركعة وهذا لا يتمكن إلا بالهز، انتهى.
أقول: ومثل هذا ما روي عن أيوب بن العباس رحمه الله أنه قرأ القرآن بالليل في ركعتين حين ذهب مع أصحابه إلى تيهرت في زمن الإمام عبد الوهاب رضي الله عنه، فعلى هذا يكون الأمر بالترتيل للندب، وروي عن بعضهم أنه قال: الترتيل هو تبين الحروف والمحافظة على الوقوف.
قوله: «ولا تغن به» مأخوذ من الغناء، بالكسر والمد وهو السماع، قال في الصحاح: "والأغنية الغناء والجمع الأغاني، تقول منه: تغنى وغنى بمعنى والغناء بالفتح النفع، والغناء بالكسر: من السماع، والغنى مقصور: اليسار، إلى آخره"، والظاهر أن المراد بالتغني به الترجيع والتطريب فيه. قال في الصحاح: "وترجيع الصوت ترديده في الحلق كقراءة أصحاب الألحان".
وقال أيضا: والتطريب في الصوت مده وتحسينه إلى آخره.
والحاصل أنه قد اختلف العلماء فيهما والأصح منعهما وكراهتهما، خلافا للشافعي وأبي حنيفة ومن وافقهما، لما روي عن زياد النميري أنه جاء مع القراء إلى النظر بن مالك فقيل له: اقرأ، فرفع صوته وطرب، وكان رفيع الصوت فكشف النظر عن وجهه وكان على وجهه خرقة سوداء فقال: ما هذا؟ ما هكذا كانوا يفعلون، وكان إذا رأى شيئا ينكره كشف الخرقة عن وجهه. وروي عن سعيد بن المسيب أنه سمع عمر بن عبد العزيز يؤم الناس فطرب في قراءته فأرسل إليه سعيد يقول: أصلحك الله إن الأئمة لا تقرأ هكذا، فترك عمر التطريب بعد.
Halaman 15
وروي عن مالك أنه سئل عن الألحان في الصلاة، فقال: لا يعجبني، وقال: إنما هو غناء يتغنون به ليأخذوا عليه الدراهم، وروي عن القاسم بن محمد أن رجلا قرأ في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فطرب، فأنكر ذلك القاسم وقال: يقول الله عز وجل: {وإنه لكتاب عزيز لا ياتيه الباطل منم بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [فصلت:41/42].
<1/19> قالوا: وكانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم -وهو المبين عن الله عز وجل- لم يكن فيها تطريب ولا ترجيح وإنما كانت مدا، وأما ما احتج به المخالف من قوله عليه السلام: "زينوا القرآن بأصواتكم" فقالوا: إنه ليس على ظاهره، وإنما هو من باب القلب، أي زينوا بالقرآن أصواتكم، قال الخطابي: وهكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث إلى آخره. وذكروا أنه وردت رواية أخرى عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "زينوا أصواتكم بالقرآن" أي الهجوا بقراءته واشغلوا به أصواتكم، واتخذوه شعارا وزينة، وقيل: معناه الحض على قراءة القرآن والذب عنه، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (حسنوا أصواتكم بالقرآن) قال: بعضهم وإلى هذا المعنى يرجع قوله عليه السلام: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" أي ليس منا من لم يحسن صوته بالقرآن. كذلك قاله عبد الله بن يزيد وابن أبي مليكة، إلى آخره.
وقيل: إن معنى (يتغنى به) يستغني به من الاستغناء الذي هو ضد الافتقار من الغنا، يقال: تغنيت وتغانيت بمعنى استغنيت، وأغناه الله عز وجل، قال الجوهري: "تغنى الرجل بمعنى استغنى، وأغناه الله وتغانوا أي استغنى بعضهم ببعض"، وإلى هذا التأويل ذهب سفيان بن عيينه، ووكيع بن الجراح، ورواه سفيان أيضا عن سعيد ابن أبي وقاص رضي الله عنه.
Halaman 16
وقد روي عن سفيان أيضا وجه آخر أي يستغني عما سواه من الأحاديث، وإلى هذا التأويل ذهب البخاري لقوله عز وجل: {أولم يكفهم, أنآ أنزلنا عليك الكتاب يتلىا عليهم}[العنكبوت:51] والمراد الاستغناء بالقرآن عن أخبار الأمم، قاله أهل التأويل.
وقيل: إن معنى يتغنى به يتحزن به، أي يظهر على قارئه الحزن الذي هو ضد السرور عند قراءته وتلاوته، ذهب إلى هذا جماعة من العلماء منهم الحليمي، وهو قول الليث بن سعيد وأبي عبيد ومحمد بن حيان واحتجوا بما روي عن بعض الصحابة أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ولصدره أزيز <1/20> كأزيز المرجل من البكاء (الأزيز -بزايين- صوت الرعد وغليان القدر) فقالوا: قضى الخبر ببيان واضح أن المراد بهذا الحديث الحزن، وورد عن سعيد بن وقاص عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن هذا القرآن نزل فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، وتغنوا به فمن لم يتغن به فليس منا". قال أبو عبيدة: "ومحل الأحاديث التي جاءت في حسن الصوت إنما هو على طريق الحزن والتخويف والتشويق". وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن من أحسن الناس صوتا من إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله".
قوله: «قال الربيع الأجذم» يعني بالذال المعجمة من جذم الرجل بالكسر، قال في الصحاح: "وجذمت الشيء جذما قطعته فهو جذيم، وجذم الرجل بالكسر جذما صار أجذم وهو مقطوع اليد".
Halaman 17
وفي الحديث "من تعلم القرآن ثم نسيه إلى آخره"، وذكر في القواعد الخلاف في نسيانه، هل المراد به نسيانه حتى لا يفرزه من الشعر، أو المراد به ترك العمل به وإن كان يقرؤه ظاهرا، وقيل: إذا نسيه بالمرض لا يكون عليه شيء. ثم الظاهر أن المراد بنسيانه حتى لا يفرزه من الشعر نسيان قراءته كما يدل عليه استدلاله وكلامه عقبه حيث قال: وهذا قد ورد فيه الوعيد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث، إلى أن قال: وقوله عليه السلام: "عرضت علي أو قال نظرت ذنوب أمتي فلم أر أعظم ذنبا من ناسي القرآن" وذلك أنه لا ينسى إلا بهجرانه إياه، وتهاونه به، وإنما أراد القراءة ولم يرد نسيان نفس القرآن إلى آخره، يعني والله أعلم أن الوعيد يتوجه لمن ترك قراءته وإن كان حافظا له فعلى هذا يكون من ترك قراءته حتى نسيه من باب أولى، والله أعلم.
والحاصل أن المتبادر من الأحاديث الواردة في الأمر بتعاهد القرآن يدل أن الوعيد يتعلق بنسيان قراءته، وأما نسيان العمل به فإنه لا فرق فيه بين جميع المكلفين، والله أعلم.
لكن بقي الكلام على المراد بنسيان قراءة القرآن ترك قراءته وإن كان حافظا له، وهو المتبادر من تأويل الشيخ إسماعيل حيث قال: وإنما أراد القراءة ولم يرد نسيان بعض القرآن، أو المراد به زواله من القلب حتى لا يقدر على قراءته غيبا، <1/21> وهو المتبادر من ظاهر الحديث ومن كلامهم في الرجوع عن العلم، والله أعلم ، فليحرر.
وقوله: _«عثمان» قال في السؤالات عند ذكره لهؤلاء الستة وعثمان بن حنيف وهو الذي أخذ الزبير وطلحة ومن معهما يوم دخلوا البصرة في دار الإمارة وقتلوا من معه في سبعين شيخا رحمة الله عليهم، ونتفوا لحية عثمان وهو والي على البصرة، ولم يقتلوه خوف أهاليهم بالمدينة. عن سهل بن حنيف: لعنوا بما فعلوا إلا من تاب وعمل صالحا ثم اهتدى، وعثمان بن حنيف أخو سهل بن حنيف، انتهى.
Halaman 18
قوله: «الغدا» في بعض النسخ القرى، ومؤداهما واحد، فإن القرى هو الإحسان إلى الضيف، ويجب فيه القصر والمد، قال في الصحاح: "وقريت الضيف قري مثل قليته قلى وقراء أحسنت اليه، إذا كسرت القاف قصرت، وإذا فتحت مددت، إلى أن قال: واسم ذلك قرى بكسر القاف، وكذلك ما قري به الضيف إلى آخره، ويحتمل أن يكون هذا هو المراد في الحديث فيتعين فيه الكسر والقصر، والله أعلم.
قوله: «في بعض أسفاره» قال بعض علمائنا رحمهم الله على صلح الحديبية حين صده المشركون عن البيت، والحديبية بتخفيف الياء وتشديدها وهي بئر سمي المكان بها، وقيل شجرة، وقال المحب الطبري: قرية قريبة من مكة أكثرها في الحرم وهي على تسعة أميال من مكة. قاله في المواهب.
قوله: «ثكلتك أمك» أي فقدتك، قال في الصحاح: والثكل يعني بضم الثاء وسكون الكاف فقدان المرأة ولدها، وكذلك الثكل بالتحريك يعني بالفتح فيهما وامرأة ثاكل وثكلى، وثكلته أمه ثكلا يعني بضم الثاء أثكل الله أمه، والثكول التي ثكلت ولدها، ويقال قرحة للوالدات ومثكلة، كما يقال: الولد مبخلة ومجبنة، إلى آخره.قوله: «نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم» يؤخذ من كلام الصحاح وضبطه أنه يقرأ بتشديد الزاء من التنزير بمعنى الإلحاح والتصغير، قال: النزر القليل وقد نزر الشيء بالضم نزارة، وعطاء منزور، وقولهم: فلان لا يعطي حتى ينزر، أي يلح عليه ويصغر من قدره إلى آخره.
Halaman 19
<1/22> وقوله: «فهرولت». قال في الصحاح: الهرولة ضرب من العدو، وهو بين المشي والعدو، قوله: ثم قرأ: { إنا فتحنا لك فتحا مبينا}[الفتح:1] قال البيضاوي: نزلت في مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية، ثم: قال وعد بفتح مكة، والتعبير عنه بالماضي لتحققه، أو بما اتفق له من تلك السنة كفتح خيبر وفدك، أو إخبار عن صلح الحديبية وإنما سماه فتحا لأنه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سألوا الصلح وسبب فتح مكة وفرغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائر العرب فغزاهم وفتح مواضع، إلى آخره.
وقال في المواهب بعد كلام طويل: وأقام صلى الله عليه وسلم بالحديبية بضعة وعشرين يوما، وقيل: عشرين يوما ثم قفل وفي نفوس بعضهم شيء فأنزل الله سورة الفتح ليسليهم بها ويذكرهم نعمه فقال تعالى: { إنا فتحنا لك فتحا مبينا}[الفتح:1]، قال ابن عباس والنضر والبراء بن عازب: المراد بالفتح هنا فتح الحديبية ووقوع الصلح بعد أن كان المنافقون يظنون {أن لن ينقلب الرسول والمومنون إلىآ أهليهم, أبدا} [الفتح:12]، أي حسبوا أنهم لا يرجعون بل يقتلون كلهم.
Halaman 20