322

Hasyiyah 'Ala Tafsir Baydawi

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

Genre-genre

ومن ثم ترى المفلقين السحرة يضربون على توهم التشبيه صفحا، كما قال أبو تمام الطائي:

ويصعد حتى لظن الجهول ... بأن له حاجة في السماء

الإنسان والمخلب ظفر البرثن. وتقليم الأظفار كناية عن الضعف يقال: فلان مقلم الأظفار أي ضعيف. فالأسد ههنا استعارة حيث طوى ذكر المشبه بالكلية واستعير له لفظ المشبه به ولو لا القرينة وهي قوله: «شاكي السلاح» لتعين حمل الكلام على المشبه به، وذكر اللبد وعدم قلم الأظفار ترشيح الاستعارة لأنهما من خواص المستعار منه وملايماته وهو الأسد الحقيقي، وذكر شوكة السلاح والقذف إلى الوقايع والحروب تجريدها من حيث إنهما يلايمان المستعار له وهو الرجل الشجاع، وذكر ملايم المستعار له تجريد فقد اجتمع في البيت تجريد الاستعارة وترشيحها. قوله: (ومن ثم) أي من أجل أن الاستعارة مشروطة بطي ذكر المستعار له. والفلق بالكسر الأمر العجيب والمفلق كالسحرة يقال: أفلق الرجل.

وشاعر مفلق إذا جاء بأمر عجيب.

قوله: (يضربون) أي يعرضون عن إيهام التشبيه إعراضا تاما كأنهم يتناسون التشبيه ويبنون على المستعار له ما يصح أن بيني على المستعار منه حتى أن أبا تمام استعار ما وضع للعلو المكاني للعلو في الرتبة وتناسي التشبيه حيث بنى على علو الرتبة ما يبنى على علو المكان وهو ظن الجهال أن له حاجة في السماء. واللام في «لظن» لام توطئة القسم بتقدير «قد» فقوله: «ويصعد» بمعنى الماضي وعبر بلفظ المضارع على طريقة حكاية الحال الماضية إحضارا لصورة صعوده في ذهن السامع أي وصعد حتى لقد ظن الجهول. وأسند الظن إلى الجهول قصدا إلى زيادة المبالغة في المدح حينئذ بإيهام أن ظن كونه محتاجا من غاية الجهالة إذ الفاضل يعرف أن الله سبحانه وتعالى أغناه عن الاحتياج إلى غيره سبحانه وتعالى فلا حاجة له في السماء. وإنما كان مبنى الاستعارة على تناسي التشبيه لأن التشبيه يقتضي الطرفين المشبه والمشبه به، والاستعارة إنما هي بعد ادعاء أن المشبه عين المشبه به لا شيء آخر فذكر المشبه ينافي ذلك الادعاء لأن ذكره يذكر وقوع التشبيه المستدعي للمغايرة بينهما مع أن المدعي سلب المغايرة وثبوت الاتحاد، وهم قد يتناسون التشبيه مع التصريح بذكر الطرفين كما في قوله:

هي الشمس مسكنها في السماء ... فعز الفؤاد عزاء جميلا

فلن تستطيع إليها الصعود ... ولن تستطيع إليك النزولا

Halaman 328