وهذا الفقه يتحول من مذهب مكون من جمع للحديث، واستنتاج منه إلى مذهب قياسي منطقي كالذي يضعه أبو حنيفة، وصاحباه أبو يوسف، ومحمد.
وهذه اللغة التي كانت تجمع كلمة فكلمة قد تم جمعها، وأخذوا يضعون معاجم في موضوعات خاصة كالخيل والإبل، ثم جاء الخليل بن أحمد هذا فوضع بكتابه «العين» أساس المعاجم اللغوية، وهذا الأدب الذي كان يروى قصيدة أو قطعة قطعة، أخذ يجمع في الكتب المطولة كالمفضليات للضبي، والأصمعيات للأصمعي، والنقائض لأبي عبيدة.
وهذا النقد الذي كان يعتمد على الذوق الفطري، فتنقد الكلمة إذا كانت نابية مثل كلمة بوزع، أو ينقد المعنى إذا كان سخيفا، كقول القائل:
هذا ابن عمي في دمشق خليفة
لو شئت ساقكم إلي قطينا
فينتقده عبد الملك بأن هذا يقال لعامل من عماله، وأن الشاعر لو قال لو شاء ساقكم ... لكان أحسن، فينقلب إلى نقد بقواعد، وقوانين كالذي فعل ابن سلام في طبقاته.
وهذا التاريخ الذي يعتمد على مجرد جمع الأخبار حيثما اتفق، يؤلف وينظم فيجعل لكل أمة موضعا، ولكل أمة حوادث حسب السنين، وما جرى فيها منظمة مرتبة.
وهذه الأنساب التي كانت في الصدور كتبت في السطور، ودونت تدوينا منظما كالذي فعل الكلبي في كتابه الجمهرة في الأنساب.
وهؤلاء رجال المحدثين الذين كان يكتب عنهم كلمة في تعديلهم أو تجريحهم كانت سببا في كتب التراجم الواسعة، يعتمد فيها على الأخبار، ومعرفة حياة كل مترجم له، ونحو ذلك، حتى لو قلنا إن كل طائفة من المعلومات انقلبت علما، ووضعت في قواعد، لم نكن بعيدين عن الصواب، فربما كانت معيشتنا في القرون التي أتت بعد، ليس إلا تردادا لما ذكروا، أو تعبيرا عنه بلغة العصور المختلفة، أو تفريقا لمجتمع، أو تجميعا لمفترق من غير كثير ابتكار.
يضاف إلى ذلك اختلاف المذاهب والنحل، وأخذها أيضا شكلا علميا؛ حتى إن المذاهب التي كانت سياسية: كالمرجئة، والخوارج، وأهل السنة، والشيعة، انقلبت إلى مذاهب دينية علمية تعلل تعليلا علميا، وتحلل تحليلا فلسفيا ... وتعددت المذاهب حسب العقليات، ومقدار الثقافة، والميول السياسية والدينية.
Halaman tidak diketahui