فيجيب العمدة في شبه غيظ: ولكنه مدين يا فاطمة ... الدين يا بنتي ... أينسى أحد دينه؟
وتسأله فاطمة ذاهلة: وهل اقترض صالح منك يا سيدي؟
فيجيب العمدة وهو ينزل أكمام جلبابه بعد أن أتم وضوءه: نعم.
وتسأل فاطمة وهي لا تزال في ذهولها: هل اقترض منك فراخا يا سيدي؟
ويطلق العمدة ضحكة صغيرة ساخرة من غفلة خادمته، ثم يقول وهو يثبت قلنسوته على رأسه: يا مغفلة أرأيت أحدا يقترض فراخا من العمدة؟ - أنا الأخرى أتعجب يا سيدي! - لقد حكمت له في قضية أمس فأقسم أن يحضر لي فراخا اليوم، اليوم فجرا، وها هو ذا الفجر يولي وهو لم يجئ، كم أنت ثرثارة يا فاطمة! الفجر سيفوتني، الله أكبر، الله أكبر، أصلي الصبح ركعتين فرضا حاضرا لله العلي العظيم، الله أكبر.
وتركت فاطمة العمدة يقيم الصلاة، وخرجت هي لتجد البيت وكأنما هو آلة زر إدارتها هو نداء العمدة «يا فاطمة»؛ فالسيدة الكبيرة تعد الفرن للعيش، والسيدة الصغيرة تعد الفطور للأب، وإن كلا من السيدتين لفرحة غاية الفرح بهذا العمل الذي تقوم به، وإن كلا منهما لتصرخ بأعلى صوت لها، فكلما ارتفع الصوت كان العمل الذي تقوم به ضخما يحتاج إلى مجهود كبير، وعمل كثير، وصوت جهير، وسعي حثيث، وكر وفر.
والعمدة فرح بهذه الأصوات التي تنبعث إلى حجرته، فكلما ارتفع الضجيج ازدادت أهمية العمدة في بيته، وإلا فمن أجل من تقوم هذه القيامة؟ ومن أجل من يعد العيش والفطور، ويعلو الصراخ ويحث السعي ويكر ويفر، أليس كل هذا من أجله هو؟ رجل البيت وعمدة البلد على رغم كل سن ورمح يمكن أن يتعرض له. وينتهي العمدة من صلاته، ويرتفع صوته في شبه غضب ولكن في هدوء تماما كما كان ينادي فاطمة، ولكن - دون أن يحس - خالجت الصوت نبرة من حنان وحب لا يطيق الأب كتمانهما حين ينادي ابنته: يا درية.
وتجيب الابنة في فرح ولكن في تظاهر بالعمل: حالا يا أبي.
وما هي إلا لحظات حتى تدخل درية حاملة طعام أبيها، ويستقبلها الأب في عطف بالغ: ما هذا الجمال يا بنت؟ من أين تزيدينه كل يوم؟
وتجيب درية في خجل فرحان: طبعا يا أبي، إن لم تشهد لي أنت فمن يشهد؟
Halaman tidak diketahui