وأحسست أنه أكثر مني، وأقوى مني، أكثر طبيعية، وأكثر بشرية، أكثر إنسانية. ووددت في تلك اللحظة، أن ألقي نفسي بين ذراعيه القويتين، وأقول له: علمني، علمني!
وكأنما أحس رغبتي، فنظر إلي وكأنه يحتويني بكل كيانه، وقال باسما: سأعلمك، ولنبدأ من هذه اللحظة.
واعتدل في كرسيه، وقال كأنه أستاذ يخاطب تلميذته: والآن وقبل كل شيء يجب أن تعترفي، هل تحبينني؟
وكان جادا، وكان راضيا، وكان قويا، وكان محبا، ونظرت في أغوار عينيه العميقتين فأحسست أنه ... أنه رجلي الوحيد، وقلت له: نعم أحبك.
ورأيته يبتسم ابتسامة عريضة، ثم يضحك في انطلاق غريب، وسمعته يقول وهو ينظر في عيني بحنان كبير: هل كان شيئا صعبا؟
قلت وأنا أنظر بعيدا عن عينيه حتى لا يكتشف كذبي: أبدا، لم يكن شيئا صعبا.
مجرد صورة
صعدت هند سلم القطار، وقفزت داخل الديوان لتلحق بالمقعد المجاور للنافذة، تماما كما كانت تفعل وهي طفلة، لم تغيرها عشرة أعوام طويلة، كبرت فيها واستدارت ونضجت، ونالت الليسانس وتزوجت، لكنها هي هند التي يسعدها أي شيء، وأقل شيء، مثل السفر وركوب القطار، والجلوس بجوار النافذة.
وجلس إلى جوارها زوجها حسين، بعد أن شب على قدميه، ووضع الحقيبة فوق الرف، ونفض يديه بتأن. إنه هادئ الأعصاب، كما يبدو من ملامحه الهادئة، فيما يشبه الابتسامة، وحركاته البطيئة، كأنه لا يتعجل شيئا، واثق أن كل شيء يأتي في أوانه.
وتحرك القطار وهند تطل من النافذة، وتراقب بيوت القاهرة، وهي تتراجع إلى الوراء، والقطار متجه ناحية الشمال إلى الإسكندرية.
Halaman tidak diketahui