وتصبح مكة في موسم الحج أغنى مراكز العالم الإسلامي التجارية وأكثرها تنوعا، ويقوم في وسطها المسجد الحرام الذي ذاعت بفضله شهرة (أم القرى)، وتقوم الكعبة الشهيرة، التي يقول مؤرخو الشرق إن إبراهيم هو الذي أنشأها، في المسجد الحرام، وتنافس الخلفاء والسلاطين والفاتحون منذ زمن محمد في تزيين المسجد الحرام بسائق التقوى، فلم يبق شيء من زخارفه الأولى.
والمسجد الحرام مربع الشكل، ويجد المرء نفسه، بعد أن يدخله من أحد الأبواب، في باحة فسيحة تحيط بها أقواس قائمة على غابة من الأعمدة، وتعلو هذه الأعمدة قباب صغيرة كثيرة، وتقوم مآذن المسجد الحرام على مختلف أجزاء ذلك المربع.
واتخذ المسجد الحرام المكي مثالا في إنشاء كثير من مساجد سورية على الخصوص، ورأيت في دمشق مساجد كثيرة مبنية على طراز الحرم المكي، وتختلف مساجد القاهرة عنها بشكل مآذنها ودقائق زخارفها بعض الاختلاف.
ويقع المعبد الصغير، الكعبة، في باحة الحرم المكي، والكعبة بناء مكعب ذو حجارة سمر، ويبلغ ارتفاعها أربعين قدما وطولها ثماني عشرة قدما وعرضها أربع عشرة قدما على حسب رواية بركهارد، وليس للكعبة سوى باب واحد يرتفع عن الأرض سبع أقدام، ولا يوصل إليه إلا بسلم متنقل ينصبونه في موسم الحج، ويتألف داخل الكعبة من حجرة واسعة مبلطة بالرخام، ومنارة بمصابيح مصنوعة من الإبريز ومزخرفة بالكتابات.
وداخل الكعبة غني بزخارفه في كل زمن، ومن أقدم ما وصف به هو ما جاء في رحلة ناصر خسرو المفيدة التي قام بها في سورية وفلسطين وجزيرة العرب ... إلخ. (1035م-1042م)، والتي نشرها حديثا مدير اللغات الشرقية العالم، مسيو شيفر، قال ناصر خسرو:
يغطي جدر الكعبة رخام من شتى الألوان، وتسمر بجدارها من الناحية الغربية ستة محاريب فضية طويلة بمقدار قامة الرجل مكفتة بالذهب واللجين
17
المرقش باللون الأسود، ويبلغ ارتفاع الجدر في البدء أربعة سواعد من الأرض، فإذا عدوت هذا الارتفاع وجدت ما فوقه حتى السقف مستورا بصفائح من الرخام المزين بالزخارف العربية وبالنقوش المذهب معظمها.
والحجر الأسود الأشهر مدمج في أحد جدر الكعبة الخارجية، ولا يزيد قطر الحجر الأسود، وهو الذي يقول العرب إن الملائكة أتوا به من الجنة؛ ليكون موطئا لإبراهيم حين بنائه البيت الحرام، على سبعة قراريط، ولا نعلم شيئا كرمه الناس زمنا طويلا كالحجر الأسود الذي كان موضع احترام وتبجيل قبل ظهور محمد بقرون كثيرة.
وتكسى الكعبة في كل سنة كسوة سوداء تسترها كلها عدا موضع الحجر الأسود وبضع أقدام من أسفلها، ويعصب أعلى الكعبة، في أوائل مواسم الحج ، بنطاق موشى بآيات قرآنية مكتوبة بحروف من ذهب.
Halaman tidak diketahui