Suffetula ، والآن
Sbitla - البطريق غريغوريوس، وهو أخو هرقل صاحب أفريقية الذي تولى ابنه هرقل إمبراطورية الروم، وكاتبه صاحب الشريعة الإسلامية، فلم يبق للإمبراطورية الرومية في أفريقية سوى قرطاجة ومدائن قليلة، وكانت كلها مضمحلة الأركان، بحيث إذا هاجمها عدو من الخارج بشيء من الشدة والعزيمة سقطت في يده، وذهبت معها بقايا الدولة الرومية أدراج الرياح، وذلك هو الذي وقع عندما ظهر الإسلام في ذلك الوقت.
أما مصر فقد كانت بأجمعها مشحونة بالنصارى، وهم على قسمين متباينين في أجناسهم وعقائدهم: أحدهما أهل الدولة، وكلهم روم من جند صاحب القسطنطينية، وهم ملكيون أو ملكائيون، يزيدون على 300000 نفس، والقسم الآخر عامة أهل مصر بأسرها، ويقال لهم القبط، وأنسابهم مختلطة لا يكاد يتميز منهم القبطي من الحبشي من الغربي من الإسرائيلي الأصل من غيره، وكلهم يعاقبة، فمنهم كتاب المملكة، ومنهم التجار والباعة، ومنهم الأساقفة والقسوس ونحوهم، ومنهم أهل الفلاحة والزرع، ومنهم أهل الخدمة والمهنة، وبينهم وبين الملكية - أهل الدولة - من العداوة ما يمنع مناكحتهم ويوجب قتل بعضهم بعضا،
1
وكانت الأمة المصرية حيال سادتها الروم في منتهى الذل والعبودية، قد أثقلتها الضرائب والمظالم، وحاقت بها أسباب الخسف والهوان، وأبناؤها يسومهم الروم سوء العذاب، ويمتصون ينابيع ثروتهم، ويغتصبون ثمرة أتعابهم، وولاة الروم لا هم لهم إلا تطلب المال وجمعه من هنا وهناك، دون أن يعبئوا بشيء من مصالح البلاد الاقتصادية والزراعية أو من أمور الرعية، وكثرت الفتن الدينية بدسائس الروم؛ حتى افتتنت العائلات (الأسر) وحقد الأب على ولده، والزوجة على زوجها، والأخ على أخيه، والابنة على أمها، مع اختلاف المذاهب وتشعب المشارب التي كان القائمون بها يقوم بسببها بعضهم على بعض، فيريقون الدماء هدرا في الشوارع والأزقة، فوصل الخلل والاضطراب إلى نهاية ما تتصوره العقول،
2
حتى صارت مصر تترقب الخلاص من نير الروم بأية وسيلة كانت؛ ولذلك استقبلت العرب بفرح شديد، كما كانت استقبلت الرومان الذين أنقذوها من البطالسة، وكما كانت استقبلت البطالسة الذين خلصوها من ظلم الفرس.
وقد روى ابن العبري أن الشمس انكسف نصف جرمها في السنة السابعة عشرة لهرقل، وثبت كسوفها من تشرين الأول إلى حزيران، ولم يكن يظهر من نورها إلا شيء يسير، فكأني بهذا الكسوف الغريب الذي وقع في سنة 627 واستمر نحو خمسة شهور، كان نذيرا بكسوفين آخرين معنويين، وهما كسوف دولة الروم وكسوف دولة الفرس الذين كانوا يعبدون الشمس.
دولة الفرس
إن اضطراب الدين إذا شاركه اختلال السياسة آذن بضياع السلطان وانقراض الدولة، فلقد رأينا الأمم عندما تأخذ في الانحطاط وتبدو على كيانها علامات الانحلال، يتشبث أبناؤها بالاختلاف في الدين، وتتفرق أهواؤهم في المذاهب؛ فيكون ذلك مدعاة للتنافر بين قادتها والتقاطع بين أهل الرأي فيها، فيهدمون أنفسهم وتصبح الأمة بلا رءوس ولا سراة، وهو مرض اجتماعي يصيب الأمم عندما تبلغ الهرم أو يدانيها العدم؛ فيتفرق الشمل وتذهب الريح ويضيع الملك.
Halaman tidak diketahui