Fitnah Besar (Bahagian Kedua): Ali dan Anak-anaknya
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Genre-genre
الفصل الثاني والعشرون
وأكاد أعتقد أن مكيدة عمرو بن العاص تلك التي كادها برفع المصاحف لم تكن من عند نفسه، لا لأنه قلد فيها عليا فحسب، بل لشيء آخر سنراه قريبا، فقد ينبغي أن نذكر أن عليا إنما رفع المصاحف بين الصفين في حرب البصرة قبل أن ينشب القتال، يريد أن يعذر إلى خصمه. وقد ينبغي أن نذكر أيضا أن مكان طلحة والزبير وأم المؤمنين من النبي، كان يدعوه إلى أن يحتاط ويتأنى ويذكرهم بالقرآن وما فيه، ولا يقاتلهم حتى يستيئس من استجابتهم إلى ما دعاهم إليه، فلما رشق أهل البصرة ذلك الفتى الذي أمره علي فرفع المصحف بين الصفين بالنبل حتى قتلوه، قال علي: الآن طاب الضراب.
فلو قد أراد أهل الشام أن يتقوا الفتنة والحرب حقا لرفعوا المصاحف ودعوا إلى ما فيها قبل بدء القتال، ولكنهم لم يفعلوا، وما أكثر ما ذكروا بالقرآن فلم يذكروه! وما أكثر ما ردوا سفراء علي دون أن يعطوهم الرضى أو شيئا يشبه الرضى! فما كان رفعهم للمصاحف بعد أن اتصلت الحرب أياما وأسابيع، وبعد أن توادع الجيشان شهر المحرم كله، إلا كيدا لا يتقون به الفتنة وإنما يتقون به الهزيمة.
وأكبر الظن أن بعض الرؤساء من أصحاب علي لم يكونوا يخلصون له نفوسهم ولا قلوبهم، ولم يكونوا ينصحون له لأنهم كانوا أصحاب دنيا لا أصحاب دين، وكانوا يندمون في دخائل أنفسهم على تلك الأيام الهينة اللينة التي قضوها أيام عثمان ينعمون بالصلات والجوائز والإقطاع.
ولست أذكر من هؤلاء إلا الأشعث بن قيس الكندي، ذلك الذي أسلم أيام النبي ثم ارتد بعد وفاته، وألب قومه حتى ورطهم في الحرب ثم أسلمهم وأسرع إلى المدينة تائبا، فلم يعصم دمه من أبي بكر فحسب، ولكنه أصهر إليه وتزوج أخته أم فروة، ثم خمل في أيام عمر وظهر في أيام عثمان فتولى له بعض أعماله في فارس، فلما هم علي أن ينهض إلى الشام عزله عن ولايته، ويقال إنه طالبه بشيء من مال المسلمين، ثم استصحبه واستصلحه، فلما رفعت المصاحف ودعي إلى التحكيم كان أشد الناس على علي في الدعاء إلى قبول التحكيم.
ويجب أن نذكر أيضا أن عليا لم ينهض إلى الشام بأهل الكوفة وبمن تابعه من أهل الحجاز وحدهم، وإنما نهض كذلك بألوف من أهل البصرة كان منهم من وفى له يوم الجمل، وكان منهم من اعتزل الناس في ذلك اليوم أيضا، وكان منهم مع ذلك كثير من الذين انهزموا بعد مقتل طلحة والزبير، فهم إذن كانوا عثمانية لا يقاتلون مع علي عن رضى وصدق، وإنما يقاتلون معه كارهين، وهم إذن كانوا واجدين عليه لأنه قتل منهم من قتل، واضطرهم إلى الهزيمة اضطرارا، لم يكن أصحاب علي إذن كلهم مخلصين له مؤمنين به، وإنما كان منهم المخلص والمدخول.
وقد قدمنا أن الفريقين كانا يلتقيان في أمن ودعة أثناء شهر المحرم الذي توادعا فيه، ونضيف الآن أن القتلى كثروا ذات يوم، فطلب علي هدنة موقوتة ليدفن الناس قتلاهم، وأجيب إلى ما طلب.
وإذن فقد كان أهل الشام وأهل العراق يلتقون ويختلطون في غير موطن، ولم يكن من العسير أن يتناجوا ولا أن يأتمروا بينهم بما يشاءون، فما أستبعد أن يكون الأشعث بن قيس - وهو ماكر أهل العراق وداهيتهم - قد اتصل بعمرو بن العاص - ماكر أهل الشام وداهيتهم - ودبروا هذا الأمر بينهم تدبيرا، ودبروا أن يقتتل القوم فإن ظهر أهل الشام فذاك، وإن خافوا هزيمة أو أشرفوا عليها رفعوا المصاحف فأوقعوا الفرقة بين أصحاب علي وجعلوا بأسهم بينهم شديدا. وقد تم لهم ما دبروا إن كانوا قد دبروا شيئا، واستكره الأشعث ومن أطاعه عليا على كف القتال، فلم ير بدا من الإذعان لما أرادوا.
وأكبر الظن عندي كذلك أن المؤامرة لم تقف عند هذا الحد وإنما تجاوزته إلى ما هو أشد منه خطرا، وهو اختيار الحكمين، فلأمر ما ألح الأشعث ومن تبعه من اليمانية في أن يختار علي أبا موسى الأشعري، ولم يطلقوا له الحرية في اختيار حكم يثق به ويطمئن إليه، وهم يعلمون أن أبا موسى قد خذل الناس عن علي في الكوفة حتى عزله عن عمله، فقد كان علي إذن مكرها على قبول التحكيم ومكرها على اختيار أحد الحكمين، ولم تأت الأمور مصادفة، وإنما جاءت عن ائتمار تدبير بين طلاب الدنيا من أصحاب علي وأصحاب معاوية جميعا.
الفصل الثالث والعشرون
Halaman tidak diketahui