Fitnah Besar (Bahagian Kedua): Ali dan Anak-anaknya
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Genre-genre
وليس يعنيني الآن ما كان من أمر يزيد، فلست أورخ ليزيد ولا أبحث عن استئهاله للخلافة، وإنما الذي يعنيني هو أن معاوية قد استحدث في المسلمين بدعة جديدة طالما أنكروها من قبل، وهي توريث الملك، وكانت عاقبة هذه البدعة وبالا على المسلمين أي وبال، فما أكثر ما استحل الملوك من المحارم! وما أكثر ما سفكوا من الدماء، وأهدروا من الحقوق، وضحوا بمصالح الأمة في سبيل ولاية العهد! وما أكثر ما كاد بعض الأمراء من أبناء الملوك لبعض في سبيل هذا التراث الذي لم يبحه لهم كتاب ولا سنة، ولا عرف مألوف من صالحي المسلمين!
وإنما القول في معاوية وملكه قول رجل من خيار الصحابة اعتزل الفتنة، ولم يشارك فيها من قريب أو بعيد، وهو سعد بن أبي وقاص رحمه الله، فقد تحدث البلاذري عن رواته أنه دخل على معاوية فقال: «السلام عليك أيها الملك. فضحك معاوية وقال: ما كان عليك يا أبا إسحاق رحمك الله لو قلت: يا أمير المؤمنين؟! فقال: أتقولها جذلان ضاحكا؟! والله ما أحب أني وليتها بما وليتها به.»
الفصل الثالث والخمسون
ولم يكن نشاط الخوارج أيام معاوية أقل ولا أخف من نشاطهم أيام علي، وإنما مضوا على سنتهم تلك فلم يريحوا ولم يستريحوا، وكان الخوارج أيام علي يخرجون من الكوفة، فإذا تهيئوا للحرب لحق بهم إخوانهم من أهل البصرة، فأما أيام معاوية فقد نصب خوارج الكوفة لأمراء الكوفة، ونصب خوارج البصرة لأمراء البصرة، وكان أمر الخوارج في الصدر الأول من ملك معاوية متصلا، ولكنه كان يسيرا كما كان في أيام علي، سار فيهم المغيرة وعبد الله بن عامر سيرة علي، فكانا لا يهيجانهم إن سكنوا، ولا يعرضان لهم بمكروه حتى يظهروا خلع الطاعة وينشروا الفساد في الأمر، فلما صار الأمر إلى زياد في العراق اشتد في أمر الخوارج فلم ينتظر بهم أن يخرجوا، وإنما احتاط لخروجهم قبل أن يكون، فجعل يستقصي أمورهم ويتتبع أفرادهم حيث يكونون، ويأخذ من قدر عليه منهم بالشبهة ويقتلهم بالظنة.
وعرف الخوارج ذلك من أمره، فاحتالوا في التخلص منه والاستخفاء من شرطه وعيونه، كما احتال هو في الظفر بهم والوصول إليهم، وكان بطشه بهم شديدا وكيده لهم عظيما، وقد أخاف زياد الناس جميعا، فاستتروا منه أشد الاستتار، ومكروا به أعظم المكر.
وكثر القعود بين الخوارج في أيامه، وظهر الخلاف بينهم أيضا، وانتشر مذهبهم أشد انتشار في طبقات من الناس لم يكن يبلغها من قبل، وتشجع النساء فملن إلى هذا المذهب وشاركن فيه، وخرج بعضهن فيمن خرج من أهل الكوفة، وتعرض بعضهن للقتل والمثلة في البصرة.
وكانت عاقبة الخوارج معروفة، لا تكاد تخرج منهم خارجة في أحد المصرين حتى يرسل إليها الأمير جندا أكثر منها عددا وأشد منها بأسا، فيكون بين هذا الجيش وهذه الخارجة شيء من قتال، ثم يعود الجيش إلى المصر وقد قتل الخارجة كلها أو أكثرها.
فكان خروج الخوارج تضحية بالنفس، يقدمون عليها وهم عالمون بها، مطمئنون إليها راغبون فيها، قد باعوا نفوسهم من الله واشتروا بها الجنة، فكان حزبهم حزب التضحية التي لا تنقضي، وكانوا يرون قتلاهم شهداء، وكان خصومهم من الشيعة وأهل الجماعة يرونهم مارقين من الدين، كما قال فيهم ذلك علي مستندا إلى الحديث المعروف، ولكن الأمراء الظالمين من ولاة معاوية جعلوا بعض هؤلاء الخوارج شهداء، لا بالقياس إلى الخوارج وحدهم، ولكن بالقياس إلى كثير غيرهم من الناس، حين أخذوهم بالشبهة وقتلوهم بالظنة، وحين سلكوا في قتالهم سياسة الغدر التي نهى عنها الإسلام أشد النهي، كالذي كان من أمر أبي بلال مرداس بن أدية الذي وقع قتله وقتل أصحابه موقع المحنة القاسية، لا من الخوارج وحدهم بل من خلق غيرهم كثير، حتى لقد يحدثنا المبرد بأن الفرق تنافست في أبي بلال هذا، عدته المعتزلة من أوائلهم، وزعمت الشيعة أنه كان منهم، وما أشك في أن الأخيار والصالحين من معاصريه رأوه رجلا من أكرم المسلمين وأتقاهم.
وكان أبو بلال صاحب زهد في الدنيا وتنزه عنها، مؤثرا للخير ناصحا للمسلمين، برا بمن عرف ومن لم يعرف من الناس، وكان كثير العبادة قليل الخوض فيما يخوض الناس فيه عادة، شهد صفين مع علي، وأنكر الحكومة وخرج مع أصحاب النهروان، ثم اعتزل الشر وأقام في مصره بالبصرة خارجي الهوى، مشيرا على الخوارج ناقدا لبعض أعمالهم، منكرا لنشر الفساد في الأرض، زاريا على اعتراض الناس وقتلهم بغير ذنب، حتى إذا ولي زياد البصرة وخطب خطبته تلك البتراء، كان الرجل الوحيد الذي أنكر عليه قوله: «لآخذن البريء بالمسيء والصحيح بالسقيم.» وذكره قول الله عز وجل:
وإبراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلا ما سعى
Halaman tidak diketahui