Fiqh of Worship by al-Uthaymeen
فقه العبادات للعثيمين
Genre-genre
السؤال (٨٩): فضيلة الشيخ، ما هي شروط الصلاة؟ وماذا يترتب عليها؟
الجواب: شروط الصلاة: ما يتوقف عليه صحة الصلاة، لأن الشرط في اللغة: العلامة، كما قال الله تعالى: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) (محمد: ١٨)، أي علاماتها، والشرط في الشرع، في اصطلاح أهل الأصول: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود.
وشروط الصلاة عدة، أهمها: الوقت، كما قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النساء: ١٠٣)، ولهذا يسقط كثير من الواجبات مراعاة للوقت، وينبغي بل يجب على الإنسان أن يحافظ على أن تكون الصلاة في وقتها، وأوقات الصلاة ذكرها الله تعالى مجملة في كتابه، وذكرها النبي ﷺ مفصلة في سنته.
أما في الكتاب العزيز، فقال الله تعالى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (الاسراء: ٧٨) فقوله تعالى (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) أي زوالها. وقوله (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) أي انتصاف الليل، لأن أقوى غسق في الليل نصفه، وهذا الوقت من نصف النهار إلى نصف الليل يشتمل على أوقات أربع صلوات: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء.
وهذه الأوقات كلها متتالية، ليس بينها فاصل، فوقت الظهر: من زوال الشمس إلى أن يصير ظل الشيء كطوله، ووقت العصر: من هذا الوقت إلى اصفرار الشمس: الوقت الاختياري، وإلى غروب الشمس: الوقت الاضطراري، ووقت المغرب: من غروب الشمس إلى مغرب الشفق، وهو الحمرة التي تكون في الأفق بعد غروب الشمس، ووقت العشاء: من هذا الوقت إلى منتصف الليل. هذه هي الأوقات الأربعة المتصلة بعضها ببعض. وأما من نصف الليل إلى طلوع الفجر، فليس وقتًا لصلاة فريضة. ووقت صلاة الفجر: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ولهذا فصله الله تعالى عما قبله فقال (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) ثم قال: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)، والسنة جاءت مبينة لهذا على ما وصفته آنفًا.
هذه الأوقات التي فرضها الله على عباده، لا يجوز للإنسان أن يقدم الصلاة عن وقتها، ولا يجوز أن يؤخرها عن وقتها، فإن قدمها عن وقتها، ولو بقدر تكبيرة الإحرام لم تصح، لأنه يجب أن تكون الصلاة في نفس الوقت، لأن الوقت ظرف، فلابد أن يكون المظروف داخله.
ومن أخر الصلاة عن وقتها، فإن كان لعذر من نوم أو نسيان أو نحوه، فإنه يصليها إذا زال ذلك العذر، لقول النبي ﷺ: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك" (١)، ثم تلى قول الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (طه: ١٤)، وإن لم يكن له عذر فإن صلاته لا تصح، ولو صلى ألف مرة، فإذا ترك الإنسان الصلاة فلم يصلها في وقتها، فإنها لا تنفعه، ولا تبرأ بها ذمته إذا كان تركه إياها لغير عذر، ولو صلاها آلاف المرات، دليل ذلك قوله ﷺ: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" (٢) .
ومن ترك الصلاة حتى خرج وقتها لغير عذر، فقد صلاها على غير أمر الله ورسوله، فتكون مردودة عليه.
لكن من رحمة الله ﷾ بعباده، أن وسع لهم فيما إذا كان لهم عذر يشق عليهم أن يصلوا الصلاة في وقتها، رخص لهم في الجمع بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، فإذا شق على الإنسان أن يصلي كل صلاة في وقتها من الصلاتين المجموعتين، فإنه يجوز أن يجمع بينهما، إما جمع تقديم، وإما جمع تأخير، على حسب ما يتيسر له، لقول الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: ١٨٥)، وثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس ﵄، أن النبي ﷺ جمع في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، من غير خوف ولا مطر، فسئل ابن عباس عن ذلك، يعني لم صنع الرسول ﷺ هذا؟ قال: أراد ألا يحرج أمته (٣)، ففي هذا دليل على أن الإنسان إذا لحقته مشقة في ترك الجمع بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، فإنه يجوز له أن يجمع بينها.
والوقت أهم الشروط، ولهذا كان الوقت شرطًا وسببًا.
من الشروط أيضًا: ستر العورة، لقوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) (الأعراف: ٣١)، وقال النبي ﷺ لجابر بن عبد الله في الثوب: " فإن كان واسعًا فالتحف به، وإن كان ضيقًا فاتزر به" (٤) . وقال ﷺ فيما رواه أبو هريرة: " لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء" (٥)، وهذا يدل على أنه يجب على الإنسان أن يكون مستترًا في حال الصلاة، وقد نقل ابن عبد البر ﵀ إجماع العلماء على ذلك، وأن من صلى عريانًا مع قدرته على السترة، فإن صلاته لا تصح.
وفي هذا المجال قسم العلماء ﵏ العورة إلى ثلاثة أقسام: مخففة، ومغلظة، ومتوسطة، فالمغلظة: عورة المرأة الحرة البالغة، قالوا: إن جميع بدنها عورة في الصلاة، إلا وجهها، واختلفوا في الكفين والقدمين. والمخففة: عورة الذكر من سبع سنين إلى عشر سنين فإن عورته الفرجان القبل والدبر فلا يجب عليه أن يستر فخذه، لأنه صغير. والمتوسطة: ما عدا ذلك، قالوا: فالواجب فيها: ستر ما بين السرة والركبة، فيدخل في ذلك: الرجل البالغ عشرًا فما فوق، ويدخل في ذلك المرأة التي لم تبلغ، ويدخل في ذلك الأم المملوكة، ومع هذا فإننا نقول: المشروع في حق كل إنسان، أن يأخذ زينته عند كل صلاة، وأن يلبس اللباس الكامل، لكن لو فرض أنه كان هناك خرق في ثوبه على ما يكون داخلًا ضمن العورة، فإنه حينئذ يناقش فيه: هل تصح صلاته أو لا تصح؟، ثم إن المرأة إذا كان حولها رجال غير محارم، فإنه يجب عليها أن تستر وجهها ولو في الصلاة، لأن المرأة لا يجوز لها كشف وجهها عند غير محارمها.
توضيح
(١) تقدم تخريجه ص (١٣٧) . (٢) تقدم تخريجه ص (١١١) . (٣) أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، رقم (٧٠٥م) . (٤) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب إذا كان الثوب ضيقًا، رقم (٣٦١) . (٥) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا صلى في الثوب الواحد، رقم (٣٥٩)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة في ثوب واحد، رقم (٥١٦) .
1 / 140