Fiqh of Worship by al-Uthaymeen

Muhammad ibn Saalih al-Uthaymeen d. 1421 AH
59

Fiqh of Worship by al-Uthaymeen

فقه العبادات للعثيمين

Genre-genre

السؤال (٨٨): فضيلة الشيخ، ما الذي يترتب على الحكم بالكفر على تارك الصلاة؟ الجواب: يترتب على ترك الصلاة المؤدي إلى الكفر، يترتب عليه ما يترتب على أي مرتد آخر بسبب يقتضي الردة، والذي يترتب على ذلك أحكام دنيوية وأحكام أخروية. فمن الأحكام الدنيوية: أنه لا يحل أن يزوج لأن الكافر لا يحل أن يزوج بمسلمة، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) (الممتحنة: ١٠)، ولقوله تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) (البقرة: ٢٢١)، ومن عقد لشخص على ابنته المسلمة، وهذا الشخص لا يصلي فإن النكاح باطل، ولا تحل به المرأة لهذا الرجل، ولا يستبيح منها ما يستبيح الرجل من امرأته، لأنها محرمة عليه، فإن هداه الله ومنَّ عليه بالتوبة فلابد من إعادة العقد. الحكم الثاني: سقوط ولايته، فلا يكون وليا على بناته، وعلى قريباته، فلا يزوج أحدًا منهن لأنه لا ولاية لكافر على مسلم. الحكم الثالث: سقوط حقه من الحضانة، فلا يكون له حق في حضانة أولاده، لأنه لا حضانة لكافر على مسلم، فلن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا. الحكم الرابع: تحريم ما ذكّاه من الحيوان، فذبيحته التي يذبحها حرام، لأن من شرط حل الذبيحة، أن يكون الذابح مسلمًا أو كتابيًا وهو اليهودي والنصراني، والمرتد ليس من هؤلاء، فذبيحته حرام. الحكم الخامس: أنه لا يحل له دخول مكة وحرمها، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) (التوبة: ٢٨)، وعليه فلا يحل لأحد أن يمكِّن من لا يصلي من دخول مكة وحرمها لهذه الآية التي ذكرناها. وأما الأحكام الأخروية فمنها: أنه إذا مات لا يغَّسل، ولا يكفَّن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، لأنه ليس منهم، وإنما يخرج به إلى مكان منفرد فيدفن لئلا يتأذى الناس برائحته، أو يتأذى أهله بمشاهدته، ولا يحل لأحد أن يدعو بالرحمة لمن مات من أقاربه وهو يعلم أنه لا يصلي، لقوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة: ١١٣)، ولا يقولن قائل: إن الله عز جل يقول: "أن يستغفروا للمشركين" وتارك الصلاة ليس بمشرك، لأننا نقول: إن ظاهر حديث جابر: " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" (١) أن ترك الصلاة نوع من الشرك، ثم، نقول: إن الله تعالى علل ذلك بقوله: (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)، وتارك الصلاة قد تبين بمقتضى الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وأقوال الصحابة ﵃، والمعنى الصحيح، قد تبين لنا أنه من أصحاب الجحيم. فالعلة هي هي، والحكم إذا ثبت بعلة شمل كل ما تؤثر فيه هذه العلة. ومن الأحكام الأخروية التي تترب على ترك الصلاة: أنه إذا كان يوم القيامة حُشر مع فرعون، وهامان، وقارون، وأبيّ بن خلف - أئمة الكفر - والمحشور مع هؤلاء مآله مآلهم وهو النار والعياذ بالله. فليحذر الإنسان من ترك الصلاة، وليخف ربّه، وليؤد الأمانة التي حمّله الله إياها في نفسه، فإن لنفسه عليه حقا. قد يقول قائل: إن قولكم بأنه يكفر كفرًا مخرجًا عن الملة، معارض بقول من قال من أهل العلم: إنه كفر دون كفر، وإنه لا يخرج به من الإسلام، ويحمل الأحاديث الواردة في ذلك على من تركها جحودًا، لا من تركها تهاونًا. وجوابنا عن ذلك أن نقول: إن المسألة لا شك مسألة خلافية، ولكن الله ﷿ يقول: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) (الشورى: ١٠)، ويقول ﷿: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء: ٥٩) . وإذا رددنا هذه المسألة إلى الله ورسوله، تبين لنا أن الحكم مرتب على الترك لا على الجحود، وقد ذكرنا ذلك في سؤال سابق. ثم إننا نقول: هل أحد من الناس يزعم أنه أعلم من النبي ﷺ في أحكام الله ﷿؟ وهل أحد يدعي أنه أنصح من رسول الله ﷺ للخلق؟ وهل أحد يزعم أنه أفصح من الرسول ﷺ فيما ينطق به؟ وهل أحد يزعم أنه أعلم من النبي ﷺ فيما يريده؟ كل هذه الأوصاف أو كل هذه الأمور الأربعة لا يمكن لأحد أن يدعيها، فإذا كان نبينا محمد ﷺ وهو أعلم الخلق بشريعة الله، وأنصح الخلق لعباد الله، وأفصح الخلق فيما ينطق به، وأعلم الخلق بما يقول، يقول: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" (٢)، ويقول: " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" (٣)، فأي بيان أوضح من هذا في أن الحكم معلّق بالترك، ثم نقول لمن زعم أن المراد من تركها جاحدًا لها: إنك حرفت النص من وجهين: الوجه الأول: أنك ألغيت الوصف الذي رتب عليه الحكم وهو الترك. الوجه الثاني: أنك جعلت وصفًا يتعلق به الحكم لا يدل عليه اللفظ وهو الجحد، فأين الجحد في قول الرسول ﵊: " فمن تركها فقد كفر"؟ ثم إننا نقول: إذا جحد الإنسان فرض الصلاة فهو كافر وإن صلى، فهل تقول أنت: إنه إذا جحدها وصلى لم يكن كافرًا؟ سيقول: لا، إذا جحدها - أي جحد وجوبها فهو كافر وإن صلى، فنقول: إذًا خالفت الحديث، فالحديث يقول: "فمن تركها"، وأنت قلت: إن الحديث المراد به من تركها جاحدًا لها، والكفر مرتب على زعمك على من تركها جاحدًا، لا من جحدها بدون ترك، وأنت لا تقول بهذا، فعلى قولك يكون من جحدها بدون ترك يكون مسلمًا!! فتبين بهذا واتّضح، أن القول الصواب أن من تركها متهاونًا متكاسلًا فهو كافر، أما من جحدها فهو كافر سواء صلى أم لم يصل. وما أشبه هذه الدعوى - أعني دعوى أن المراد من تركها جحدًا لوجوبها ما أشبهها بما نقل عن الإمام أحمد في قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء: ٩٣)، روي عن الإمام أحمد أن بعض الناس يقول: إن المراد من قتل مؤمنًا مستحلًا لقتله، فتعجب الإمام أحمد من هذا، وقال: إنه إذا استحل قتله فإنه كافر سواء قتله أم لم يقتله، والآية علقت الحكم بالقتل، وهذا نظير مسألتنا فيمن ترك الصلاة، ونحن إذا قلنا بكفر تارك الصلاة، فإننا نبرأ إلى الله ﷿، أن نقول عليه ما لا يدل عليه كلامه، أو كلام رسوله ﷺ، ونرى أن القول بالتكفير كالقول بالإيجاب والتحريم، لا يتلقى إلا من جهة الشرع، وإن الجرأة على القول بالتكفير كالجرأة على القول بالإيجاب فيما لم يجب، وبالتحريم فيما لم يحرم، لأن الكل أمره إلى الله ﷿، التحليل والتحريم والإيجاب والبراءة والتكفير وعدم التكفير، كلها أمرها إلى الله ﷿، فعلى المرء أن يقول بما يقتضيه كلام الله وكلام رسوله ﷺ، ولا يلاحظ أي اعتبار يخالف ذلك. شروط الصلاة

(١) تقدم تخريجه ص (١٤٧) . (٢) أخرجه الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة، رقم (٢٦٢١)، والنسائي، كتاب الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة، رقم (٤٦٣)، وأحمد في " المسند" (٥/٥٤٦)، والحاكم في " المستدرك" (١/٧) وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. (٣) تقدم تخريجه ص (١٤٧) .

1 / 134