Fikiran Arab Moden: Pengaruh Revolusi Perancis dalam Arahannya Politik dan Sosial
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
Genre-genre
حتى إن هذا العلم لا يناسب صغار المستبدين كخدمة الأديان الأقوياء أو الأغبياء والآباء الجهلاء والأزواج الحمقى ورؤساء كل الجمعيات الضعيفة؛ ولهذا ما انتشر نور التوحيد في أمة قط إلا وتكسرت فيها قيود الأسر، ولكن قتل الإنسان ما أكفره بنعم مولاه وما أظلمه لنفسه وجنسه! (3) الاستبداد والأخلاق
تفعل العدالة في أخلاق البشر ما تفعله العناية في إنماء الشجر؛ فالأقوام كالآجام إن تركت مهملة تزاحمت أشجارها وسقم أكثرها وتغلب قويها على ضعيفها فأهلكه، وهذا مثل القبائل المتوحشة. وإن صادفت بستانيا يهمه بقاؤها وزهوها فدبرها حسبما تطلبه طباعها قويت وأينعت وحسنت ثمارها، وهذا مثل الحكومة العادلة. وإذا بليت بحطاب لا يعنيه إلا عاجل الاكتساب أفسدها وخربها، وهذا مثل الحكومة المستبدة. ومتى كان البستاني أو الحطاب غريبا لم يخلق من تراب تلك الديار وليس له فيها فخار ولا يلحقه منها عار، إنما همه الحصول على الفائدة العاجلة ولو باقتلاع الأصول، فهناك الطامة وهناك البوار؛ فبناء على هذا المثال يكون مقام الاستبداد بإزاء الأخلاق مقام ذلك الحطاب الذي لا يرجى منه غير الإفساد.
لا تكون الأخلاق أخلاقا ما لم تكن مطردة على قانون، وهذا ما يسمى عند الناس بالناموس. ومن أين لأسير الاستبداد أن يكون صاحب ناموس وهو كالحيوان المملوك العنان يقاد حيث يراد ويعيش كالريش يهب حيث تهب الريح، لا نظام ولا إرادة. وما هي الإرادة؟ هي أم ناموس الأخلاق؛ هي ما قيل فيها تعظيما لشأنها: لو جازت عبادة غير الله لاختار العقلاء عبادة الإرادة؛ هي تلك الصفة التي تفصل الحيوان عن النبات في تعريفه بأنه متحرك بالإرادة؛ فأسير الاستبداد الفاقد الإرادة هو مسلوب حق الحيوانية فضلا عن الإنسانية لأنه يعمل بأمر غيره لا بإرادته؛ ولهذا قال الفقهاء: لا نية للرقيق في كثير من أحواله إنما هو تابع لنية مولاه.
أسير الاستبداد لا نظام في حياته؛ قد يصبح غنيا فيضحي شجاعا كريما، ويمسي فقيرا فيبيت جبانا خسيسا، وهكذا كل شئونه تشبه الفوضى لا ترتيب فيها فهو يتبعها بلا وجهة؛ فالأسير لا يبغي على الأسير فيزجر أو لا يزجر، ويبغى عليه فينصر أو لا ينصر، ويجوع يوما فيضوى، ويخصب يوما فيتخم، يريد أشياء فيمنع، ويأبى شيئا فيرغم. ومن كانت هذه حاله كيف يكون له خلاق، وإن وجد ابتداء فكيف لا يفسد؟
أقل ما يؤثر الاستبداد في أخلاق الناس أنه يرغم الأخيار منهم على ألفة الرياء والنفاق، وبئس السيئتان، ويعين الأشرار على إجراء غي نفوسهم آمنين حتى من الانتقاد والفضيحة لأن أكثر أعمالهم تبقى مستورة يلقي عليها الاستبداد رداء خوف الناس من تبعة الشهادة وعقبى ذكر الفاجر بما فيه.
أقوى ضابط للأخلاق النهي عن المنكر بالنصيحة والتوبيخ، وهو في عهد الاستبداد غير مقدور عليه لغير ذوي المنعة مع الغيرة، وقليل ما هم، وقليلا ما يفيد نهيهم لأنه لا يمكنهم توجيهه لغير المستضعفين الذين لا يملكون ضرا ولا نفعا، بل ولا يملكون من أنفسهم شيئا، وينحصر موضوع نهيهم وانتقادهم في الرذائل النفسية الشخصية فقط مما لا يخفى على أحد. أما المتصدرون في عهد الاستبداد للوعظ والإرشاد فيكونون مطلقا، ولا أقول غالبا، من المتملقين المرائين. وما أبعد هؤلاء عن التأثير؛ لأن النصح الذي لا إخلاص فيه هو بذر ميت. أما النهي عن المنكرات في الإدارة الحرة فيمكن كل غيور أن يقوم به بأمان وإخلاص ويوجهه إلى الضعفاء والأقوياء سواء، ويفوق سهام قوارصه على ذوي الشوكة والزعماء، ويخوض في مواضيع تخفيف الظلم وتسديد النظام، وهذا هو النصح الذي يغذي ويجدي.
ولما كان ضبط أخلاق الطبقات العليا من الناس من أهم الأمور، أطلقت الأمم الحرة حرية الخطابة والتأليف والمطبوعات مستثنية القذف فقط، ورأت أن تحمل مضرة الفوضى في ذلك خير من التحديد؛ لأنه لا ضامن للحكام أن يجعلوا الشعرة من التقييد سلسلة من حديد يخنقون بها عدوتهم الطبيعية؛ أي الحرية. وقد حمى القرآن قاعدة الإطلاق بوضعه قاعدة:
ولا يضار كاتب ولا شهيد .
وهذه الأمم الموفقة خصصت منها جماعات باسم مجالس نواب وظيفتها السيطرة والاحتساب على الإدارة العمومية السياسية. وذلك منطبق تماما على ما أمر به القرآن الكريم في آية:
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وفي كمالة هذه الآية وهي :
Halaman tidak diketahui