Dalam Kehidupan Kita yang Rasional
في حياتنا العقلية
Genre-genre
وإنه لمن أبرز الملامح في الحركات الرومانسية كلها - وهي غالبا حركات للتحرر تعقب الثورات السياسية أو تصاحبها - العودة بالذكرى إلى مجد الآباء، وهكذا كان الأمر في الأدب العربي؛ لأنه إذا كانت الدعوة إلى الحرية تتحقق بشرح المبدأ من جهة، وبضرب المثال من جهة أخرى، فأين يوجد المثال في أسمى صورة إذا لم يكن في أبطال العروبة والإسلام وهما في ذروة المجد؟ من هنا رأينا أدباءنا جميعا يتجهون هذه الوجهة، فبدءوا بالحديث عن أعلام الشعراء الأقدمين - وكان ذلك في العشرينيات - ثم انتقلوا إلى ميدان أوسع، فترجموا سيرة الرسول والخلفاء الراشدين وعددا كبيرا من قادة المسلمين وأعلامهم، فكان ذلك أبلغ ما يقال في وجه عدو البلاد، الذي جعل من أسلحة هجومه أن يستخف بالحضارة العربية وبالثقافة العربية جميعا، وأن يدعي لنفسه الأصالة في مبادئ الحرية والديمقراطية والأخوة الإنسانية بين أفراد البشر.
وتنتهي الحرب العالمية الثانية سنة 1945م، فتدخل حركة المقاومة - كما انعكست في الأدب - مرحلة ثالثة، فلئن كان قوام المرحلة الأولى كتابة هي أقرب إلى الخطابة السياسية، قصد بها استثارة الشعور الوطني، ثم كان قوام المرحلة الثانية رومانسية تنادي بالتحرر وفك القيود، وتضرب أمثالها من أبطال التاريخ، فقد جاءت المرحلة الثالثة لتقيم البناء الثقافي الجديد على نحو يبرز الخصائص القومية إلى جانب العناصر الحديثة، وها هنا تغيرت الأداة الأدبية الأساسية، فبعد أن كانت الأداة هي المقالة، أصبحت القصة والمسرحية؛ وذلك لأنهما الوسيلتان المواتيتان لتصوير المواقف والأشخاص: على أي نحو لا نريدها، وعلى أية صورة نريدها، وإن في اختيار الأداة الأدبية الجديدة لدليلا واضحا على توحيد العنصرين في حياة واحدة: ما نأخذه من الغرب وما نضيفه من أنفسنا، فلئن كنا قد أخذنا قالب القصة وقالب المسرحية من حيث هما طريقتان للتعبير، فقد عرفنا كيف نملأ القالبين بمضمون محلي أصيل، غلب عليه - فيما بين 1945م و1952م (سنة الثورة الاجتماعية الكبرى) - تصوير البؤس الذي أحاط بالناس، ثم شيء من الكفر بالحضارة الغربية في ماديتها؛ لأن هذه المادية فيها كانت هي الدافع الأول نحو حركات الاستعمار الأوروبي لشعوب الشرق، ولما كانت الحضارة الغربية المادية الحديثة قرينة العقل وما ينتجه من علوم وتقنيات ومكنات، فقد انقلب هذا الكفر بالحضارة المادية كفرا بالعقل وما يؤدي إليه، ودعوة إلى عودة الشرق إلى روحانياته التي ميزته إبان ازدهاره.
أما تصوير البؤس فقد كان في طليعة من اضطلع به الدكتور طه حسين في قصصه التي كتبها في تلك الفترة: «شجرة البؤس» (1944م) و«جنة الشوك» (سنة 1945م) و«المعذبون في الأرض» (سنة 1949م)، وكان قبل ذلك قد نشر قصته الأولى «دعاء الكروان» التي تسير في الاتجاه نفسه، فهذه القصص كلها تستفز الأريحية لما يصيب الإنسان الحر في كرامته على أيدي طغاة ملئوا دروب الحياة ومنعطفاتها، على أن هذا الإنتاج الأدبي الخاص، لم يحل دون أن يمضي عميد الأدب العربي في دراساته التي قصد بمعظمها إقامة النماذج المثلى، لتكون المقارنة صارخة بين ما هو كائن وما يمكن أن يكون، فقد كتب «الوعد الحق» (1950م) و«عثمان» (1947م) و«علي وبنوه» (1953م) و«الشيخان» (أبو بكر وعمر بن الخطاب) (1960م)، فضلا عن دعوته القوية نحو تكافؤ الفرص بين المواطنين في التعليم.
وأما الثورة على العقل - ما دام العقل هو ينبوع الحضارة المادية بكل تفريعاتها السياسية - فقد اضطلع بها توفيق الحكيم في مسرحياته التي صدرت إبان الفترة التي نشير إليها، فأصدر «سليمان الحكيم» (1943م) و«الملك أوديب» (1949م) وكلتاهما تبين أن العقل وحده لا يغني الإنسان عن الحق شيئا.
وكان من أبرز معالم هذه الفترة - وأعني الفترة التي توسطت بين الحرب العالمية الثانية وقيام ثورة 23 يوليو سنة 1952م - ما أصدره العقاد من كتب سياسية يقاوم بها استبداد الحكم، وأخرى يصور بها النماذج الإسلامية الرفيعة، فمن المجموعة الأولى «هتلر في الميزان» (1940م) و«فلاسفة الحكم في العصر الحديث» (1950م)، ومن المجموعة الثانية، وهي من أهم ما كتب الكاتب في حياته الأدبية، عبقريات محمد (1942م ) وعمر (1942م) والصديق (1943م) والإمام علي (1943م) ... إلى آخر هذه السلسلة الطويلة التي شملت نحو خمسة عشر كتابا، أما طوال الخمسينيات، فقد أخذ يخرج الكتاب إثر الكتاب، دفاعا عن الإسلام، حتى يبطل ما يدعيه المستعمر في هذا الميدان، مما يتخذه ذريعة يبرر بها اعتداءه، ومن أهم هذه المجموعة كتب «الديمقراطية في الإسلام» (1952م) و«الإسلام والاستعمار» سنة (1957م) و«حقائق الإسلام وأباطيل خصومه» (1957م) و«التفكير فريضة إسلامية» (1957م) وغيرها.
وفي تلك الفترة نفسها ظهر عدد كبير من الأدباء الشبان، اشتد وعيهم بما كان في الحياة السياسية حينئذ من فساد، وبما كان بينها وبين الاستعمار من صلات وروابط، وهم أنفسهم الشبان الذين ظهرت في كتاباتهم بذور المعاني الاشتراكية التي جاءت ثورة 1952م لتخرجها إلى عالم الوجود، وقد امتد الوجود الأدبي ببعض هؤلاء الشبان إلى يومنا هذا فأصبحوا من كتاب الاشتراكية وشعرائها المرموقين.
ومن الكتاب الذين انعكست المقاومة في أدبهم نجيب محفوظ، الذي امتد إنتاجه في القصة من الثلاثينيات إلى يومنا الراهن، ولعل قمة أعماله - من الزاوية التي ننظر منها الآن إلى الأدب، وهي انعكاس الجهود التحررية على الأدب - أقول لعل قمة أعماله في هذا الميدان هي ثلاثيته الكبرى: «بين القصرين» و«قصر الشوق» و«السكرية» ففي هذه الثلاثية صورة كاملة الدقائق والتفصيلات لحياة المجتمع المصري كله خلال الفترة التي تقع بين الحربين، نرى فيها كيف تطور مفهوم الوطنية عند الأجيال المتعاقبة، فالوطنية عند الجد الكبير كانت دفعا للتبرعات ودعاء من الله بنصرة الزعماء، والوطنية عند ابنه الكبير هي توزيع للمنشورات السياسية ومشاركة في المظاهرات حتى لقد لقي حتفه في إحداها، والوطنية عند ابنه الأصغر (كمال عبد الجواد) هي العمل من أجل الشعب، بل من أجل الإنسانية المكافحة داخل الوطن وخارجه على السواء، ثم ننتقل إلى الحفدة، فنرى مفهوم الوطنية قد ارتبط بالميدان الاقتصادي، فأعداء الوطن هم من يستغلونه في هذا الميدان، لا فرق بين أجنبي ومواطن إذا كان كلاهما من المستغلين، ومن هؤلاء الأشخاص جميعا، يهتم الكاتب - بصفة خاصة - بكمال عبد الجواد، الذي قال عنه «إنه يعكس أزمتي الفكرية، وهي أزمة جيل بأسره.»
وتحدث أحداث كبرى تشد حولها الكتاب والشعراء جميعا، من أهمها قيام إسرائيل (1948م) والعدوان الثلاثي على الجمهورية العربية المتحدة (1956م)، وثورة الجزائر، وغيرها من الثورات التي شملت الوطن العربي كله من أوله إلى آخره، فتفجرت عيون الأدب نثرا وشعرا، لتنصب على هذه المآسي الإنسانية الكبرى، كتبت القصص التي تصور روح الشعب الثائرة إزاء المستعمرين والمستبدين والإقطاعيين، نذكر منها قصة يوسف السباعي «رد قلبي» وقصة إحسان عبد القدوس «في بيتنا رجل» وقصة لطيفة الزيات «الباب المفتوح»، وكتبت المسرحيات التي تصور القوة الغاشمة حين تنتهك حرمات العدل والحق، نذكر منها مسرحية عبد الرحمن الشرقاوي «مأساة جميلة» ومسرحية ألفرد فرج «سليمان الحلبي» ومسرحية «اللحظة الحرجة» ليوسف إدريس ، ونظمت دواوين بأسرها تعبيرا عن الشعور الوطني الفياض، نذكر منها ديوان «قاب قوسين» للشاعر محمود حسن إسماعيل، وأعيدت ذكريات المآسي الماضية في شعر جديد، كحادثة دنشواي في قصيدة صلاح عبد الصبور «شنق زهران» وقصيدة «أوراس» عن ثورة الجزائر لأحمد عبد المعطي حجازي، الحق أن ما كتب ونظم في مأساة فلسطين وفي بطولة بورسعيد وفي معركة الجزائر ومعركة الكونجو وشتى ضروب المقاومة التي يبديها الوطن العربي بخاصة وتبديها أفريقيا وآسيا بعامة - لا تكاد تقع تحت الحصر، فالموضوع حاضر على أسنان الأقلام أيا كانت الصورة الأدبية التي تجري بها.
ومن الموضوعات التي تشغل الأقلام كذلك إبان هذه المرحلة الثالثة موضوع الوحدة العربية والقومية العربية، وهو جانب إيجابي يستهدف إقامة بناء جديد على أسس سليمة، ولا يقف عند مجرد الثورة الشعورية في مهاجمة الغاصب والمستعمر، فالدول العربية القائمة الآن - كما يقول الباحث العربي الكبير ساطع الحصري - «لم تتكون ولم تتعدد بمشيئة أهلها ولا بمقتضيات طبيعتها، وإنما تكونت وتعددت من جراء الاتفاقات والمعاهدات بين الدول التي تقاسمت البلاد العربية، وسيطرت عليها» ويوجه ساطع الحصري اللوم إلى أولئك الذين ثاروا ليتخلصوا من المستعمرين، حتى إذا ما ظفروا بشيء مما أرادوا، أصروا على أن تبقى لبلادهم الحدود التي حددها بها المستعمرون لصالح المستعمرين: «ما أغربنا نحن العرب، لقد ثرنا على الإنجليز والفرنسيين، ثرنا على من استولى على بلادنا واستعبدنا، وأثرنا الثورات الحمراء والبيضاء عدة عقود من السنين، وقاسينا في سبيل ذلك ألوانا من العذاب والتضحيات، ولكننا عندما تحررنا من نير كل هؤلاء، أخذنا نقدس الحدود التي كانوا قد أقاموها في بلادنا بعد أن قطعوا أوصالها، ونسينا أن تلك الحدود إنما كانت هي الحبس الانفرادي والإقامة الجبرية التي فرضوها علينا، لإضعافنا، وعزل قوى بعضنا عن أن تتحد بالقوى الأخرى» ومن أهم كتب الحصري في ذلك كتاب «آراء وأحاديث في القومية والوطنية» و«العروبة بين دعاتها وخصومها».
قلنا: إن أدب المرحلة الأخيرة - فيما يتصل بمقاومة المستعمر - قد اتسم بطابع إيجابي يبرز به خصائصنا الشخصية الفريدة، لكي نقف على أقدامنا ولا يجرفنا تيار الشمول، الذي يسود فيه القوي ويضيع بين أمواجه الضعيف، وكان من أهم ما عني به الأدباء في هذا الاتجاه الإيجابي البناء، استخراج أصولنا من لفائف التراث الشعبي، فأخذوا يتقصون الرسوم الشعبية والأغاني الشعبية والأساطير الشعبية، حتى لقد صدرت مجلة فصلية بإشراف الدكتور عبد الحميد يونس، لنختص في عرض التراث الشعبي وتحليله وتقويمه، ليفيد منه كتاب القصة والمسرحية كما يفيد منه المصورون والنحاتون والشعراء، فإذا أضفنا إلى هذه الحركة حركة أخرى لبثت قائمة منذ فجر نهضتنا في أول القرن وإلى يومنا، وأعني بها حركة نشر التراث العربي وتحقيقه، تبين لنا الأساس العريض المكين الذي نريد أن نقيم على ركائزه المجتمع العربي الجديد، وعندئذ لا نقول إن الجديد قد جاء ليعارض القديم ويدحضه، بل نقول إن الجديد قد جاء ليجد رواسيه في عروق الماضي وشرايينه، وبهذا يتصل بنا تاريخنا ماضيا بحاضر، فلا تكون فترة الاستعمار في هذا الطريق الطويل الموصول إلا بمثابة غشاوة طرأت حينا على الجسم عندما أخذته العلة وسرعان ما اختفت حين استرد العليل عافيته وقوته.
Halaman tidak diketahui