أما يوهان شتراوس
Johann Strauss (1825-1899م) فكان يقدم في مقطوعاته من نوع الفالس تصويرا موسيقيا للروح المرحة المزعومة لفينا التي لم تكن سعيدة إلى الحد الذي صورتها به موسيقاه في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر.
ولقد كان يوهانس برامز
Johannes Brahms (1833-1897م) يبحث عن الوحي في المؤلفات البوليفونية لباخ، وفي سيمفونيات بيتهوفن، وأغنيات شوبرت وأفكار شومان الجمالية. وقد ظل، بفضل استخدامه للقوالب التقليدية وتبجيله للماضي، أقرب إلى فلسفة الكلاسيكيين منه إلى فلسفة الرومانتيكيين الذين حاولوا أن ينشقوا تماما على الماضي. غير أن برامز كان مسايرا للرومانتيكيين في التجائه الدائم إلى استخدام ألحان شعبية؛ ذلك لأن الرومانتيكيين كانوا قوميين متحمسين. وفي هذا الصدد كان برامز واحدا منهم؛ فقد مجد برامز قوميته الألمانية بتوزيعات غنائية متعددة لألحان شعبية، ودعم الأسس اللحنية لسيمفونياته وكونشرتاته بألحان من الحقول ومعارج المدينة. والواقع أنه كان أبرع الناس جميعا في إدماج مثل هذه الألحان الموسيقية الحسية في المؤلفات الأوركسترالية. ولعل القليلين فقط هم الذين يقفون أندادا لرشاقته في الكتابة للصوت البشري.
وفي موسيقى المؤلف الرومانتيكي المتأخر، جوستاف مالر
Gustav Mahler (1860-1911م) نجد اتجاهات لحنية متأثرة بموتسارت وشوبرت، وكذلك مجاميع صوتية عميقة الرنين، تثير شعورا دينيا يذكرنا ببروكنر. غير أنه لم يكن يحفل كثيرا بالقالب الكلاسيكي إذا كان يعوق انسياب أفكاره الموسيقية، وكان ميالا إلى الإفراط في الشجن أحيانا عندما يصب انفعالاته في تقديم عرض موسيقي لأحداث حياته الخاصة. ولقد كانت مؤلفاته مفرطة الطول، تعبر عن حالات نفسية تتفاوت من الكآبة والانكسار إلى النشوة الخالصة. وكانت موضوعاته الرئيسية تتسم بنفس القلق الذي تتسم به روحه؛ إذ إن هناك نزعة صوفية تأملية عميقة تتغلغل في أعماله؛ فهو في موسيقاه يستطلع عجائب الطبيعة ويتساءل: ما مصير الإنسان؟
وعلى حين أن كثيرا من القصائد الشعرية التي لحنها فرانتس لا تكاد تستحق البقاء في أغنيات، فإن القصائد التي لحنها هوجو فولف
Hugo Wolff (1860-1903م) كانت تتميز بذوق أدبي رفيع. وقد أثرى فلف نصوصه المختارة بمشاعره الموسيقية العميقة بفضل براعته الفائقة في الكتابة للصوت البشري والبيانو المصاحب له. وقد بدأ فلف حياته متحمسا لفاجنر، ولكنه انقلب على الفلسفة الفنية للدراما الموسيقية «بما فيها من طيف حزين لفيلسوف شوبنهوري واقف بالكواليس»، كما كتب في رسالة مؤرخة في عام 1890م، وأشار إليها رومان رولان. ومع ذلك فقد كان فولف ذاته، في نظر خصوم فاجنر، متهما باتباع بعض الأساليب الفاجنرية، وقد أشاروا للتدليل على ذلك إلى هارمونياته المعقدة، وتلويناته الكروماتية المجددة. أما في نظر فولف، فإن الهارمونيا والتلوينات الكروماتية كانت مجرد وسيلة لتحقيق تأثير جديد، أو لون غير مألوف، وإن يكن أنصار برامز لم يروا في أعماله إلا اضطرابا في الهارمونيا، وتشتتا في اللحن، وافتقارا إلى الإيقاع. والواقع أن كل ما فعله فولف هو أنه وصل بالرومانتيكية إلى أكمل مظاهر تطورها بتوسيع قدرات الموسيقى على التعبير وتصوير المشاعر. وهكذا أصبحت موسيقاه حلقة اتصال تربط بين موسيقى «تريستان» وبين المدرسة اللانغمية (
atonal ) في فينا في القرن العشرين.
ولكي نتبع الاتجاهات الجمالية في موسيقى الجماعات القومية المختلفة في العصر الرومانتيكي، فعلينا أن نرجع القهقرى، زمنيا، أكثر من نصف قرن قبل ميلاد هوجو فولف، لنتحدث عن الموسيقيين في جزء آخر من العالم؛ فقد رأينا أن مندلسون قد عرف الرومانتيكيين بموسيقى باخ، والبوليفونية في عصر الباروك، غير أن الموسيقي والناقد الفرنسي «هكتور برليوز
Halaman tidak diketahui