Fayd Khatir Bahagian Pertama
فيض الخاطر (الجزء الأول)
Genre-genre
إن كنت أيها الراديو قد دخلت البيت أخيرا فلست آخر ما يدخل، فهم يحدثوننا عن سلك آخر سيدخل قريبا يحمل الصور كما تحمل أنت الصوت؛ فإن كنا الآن نسمع لك فسنسمع بعد ونرى. ومن يدري! لعل أسلاكا أخرى تدخل فتوزع الحرارة والبرودة بقدر، وأسلاكا وأسلاكا؛ بل لعل هذه الأسلاك لا تعجب الجيل القادم فيراها بعد أن يتحرر رمزا لعصر بغيض أولع الناس فيه بالقيود حتى سلسلوا بيوتهم بهذه السلاسل، وسيهزأون بهذا النوع من الحياة الساذجة التي تستعين على الرغبات بالمواسير والأسلاك، وسينظرون إلينا كما ننظر نحن إلى سكان ما قبل التاريخ، وسيعجبون إذا فرحنا باتصالنا بأهل الأرض مع أنهم اتصلوا بأهل السماء. وستعود البيوت من غير أسلاك ولكنها وافية بالمطالب التي نستمتع بها. والتي نصبوا إليها، والتي لا يقدر أجيالنا الآن حتى على الحلم بها، ويخلق ما لا تعلمون.
عدو الديمقراطية
لندع الديمقراطية السياسية، فلها نظرياتها ورجالها، ولها نزاعها الحار بين أنصارها وأعدائها.
ولنتكلم في الديمقراطية الاجتماعية وأعدائها - فأكبر مظاهرها الاشتراك في مرافق الحياة من غير أن تتميز طبقة من طبقة؛ فإذا رأيت في القطار درجة أولى وثانية وثالثة فهذا مظهر أرستقراطي ، وإذا رأيت ذلك في عربات الترام والسيارات العامة والسينما والتمثيل فهذا أيضا مظهر من مظاهر الأرستقراطية؛ وإذا رأيت أحياء يعنى فيها بالكنس والرش والنور، وأحياء لا يعنى فيها هذه العناية فهذا مظهر من مظاهر الأرستقراطية، وإذا رأيت في المآتم والأفراح كراسي ضخمة مذهبة، وأخرى بسيطة ساذجة، وقوما يستقبلهم آل الميت وآل العرس بالحفاوة فيجلسونهم في الصدر، وآخرين يستقبلون في غير حفاوة فيجلسون في الذيل؛ فهذا أيضا مظهر من مظاهر الأرستقراطية؛ وإذا رأيت قاعات المحاضرات أماكن حجزت لكبار المدعوين وأخرى حقا مشاعا للدهماء، فهذا كذلك مظهر من مظاهر الأرستقراطية؛ وإذا رأيت الحجاب على الأبواب يفتحونها لمن نزل من سيارة، ويغلقونها في وجه ذي الجلباب الأزرق، فذلك نوع من الأرستقراطية؛ وإذا رأيت مقهى أفرنجيا فيه فنجان القهوة بخمسة قروش أو تزيد، ومقهى بلديا فيه فنجان القهوة بخمسة مليمات أو تنقص، فهذا مظهر من مظاهر الأرستقراطية؛ ولا أسترسل في ذلك، فلعلك - يا صاحبي - فهمت مظاهر الأرستقراطية والديمقراطية، وعلمت أنك في كل خطوة تخطوها ترى هذه المظاهر في أشكالها المختلفة، وألوانها المتعددة.
وهناك دعاة يدعون إلى هذه الديمقراطية الاجتماعية، كما أن هناك دعاة يدعون إلى الديمقراطية السياسية، ولهم على ذلك حجج وبراهين.
ولكن لعل أعدى أعداء الديمقراطية وأهم طعنة توجه إلى دعاتها، وأقوى حجة يتسلح بها دعاة الأرستقراطية شيء واحد هو «القذارة»؛ فأكثر تصرفات الأرستقراطيين وأشباههم عذرهم فيها طلب النظافة والترفع عن القذارة.
قد يركب راكب الدرجة الأولى في القطار أو الترام أو السيارات طلبا للوجاهة وخشية أن يراه الناس بين الناس بين جمهور الفقراء، أو نحو ذلك من أعذار كلها سخيفة، ولكن عذرا واحدا يصح أن يقام له وزن، وهو قذارة بعض ركاب الدرجة الثالثة والخوف من أذاهم ومن عدواهم.
وقد يتطلب بعض الناس أعلى مطعم وأغلى مقهى حبا في الظهور ورغبة في الجاه. وطلبا لمخالطة العظماء، ولكن العذر صحيح أنه ينشد النظافة في هذا المطعم وهذا المقهى، ويفر من قذارة المطاعم الرخيصة والمقاهي الرخيصة.
فلو عني الناس بالنظافة، وكان من لبس لبس نظيفا، ومن فتح مطعما أو مقهى عني بنظافته، وكان الفرق بين لبس الغني والفقير، والمطعم الغني والفقير ليس فرقا في الكيف، فالكل نظيف، وإنما هو فرق في النوع والكم، لانهارت الأرستقراطية الاجتماعية في كثير من نواحيها، ولما تقززت أوساط الناس وخيارهم من أن يخالطوا الفقراء في مأكلهم ومشربهم ومركبهم، ولسلحوا الديمقراطية بسلاح قوي متين؛ ولهذا ترى الأمم التي عنيت بالنظافة والتزمتها في صغيرها وكبيرها، وفي فقرها وغناها قد أفسحت الطريق أمام محبي المساواة ودعاة الديمقراطية. وتراهم وقد قضوا على اختلاف الدرجات في السيارات العامة، وقل منهم من يركب الدرجة الأولى في القطار، وقل من يتطلب أفخم مطعم وأغلى مقهى، علما منهم بأن الكل نظيف والكل مريح. وأن الذين يركبون بجوارهم أو يجلسون بجانبهم لا يؤذونهم بمنظرهم ولا برائحتهم ولا بأي شيء فيهم، إنما تتميز هذه الطبقات بوضوح وجلاء، في مرافق الحياة الاجتماعية حيث تفشو القذارة.
إن عقلاء الناس يحتملون الديمقراطية الاجتماعية بل يتعشقونها، ولكن إذا وصل الأمر إلى احتمال عدوى مرض، أو آلمت أنوفهم رائحة كريهة، أو آلم عيونهم منظر بغيض، سهل عليهم بيع الديمقراطية للأرستقراطية. •••
Halaman tidak diketahui