Fatimah Az-Zahra dan Fatimiyun
فاطمة الزهراء والفاطميون
Genre-genre
وقد كانت لهجة البيان العباسي غاية في العنف تنم على الغيظ وتخلو من الدليل، ومنه: «إن هذا الناجم بمصر هو منصور بن نزار المتلقب بالحاكم - حكم الله عليه بالبوار والدمار - ابن معد بن إسماعيل بن محمد ابن سعيد - لا أسعده الله - وإن من تقدمه من سلفه الأرجاس الأنجاس عليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين خوارج لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وإن ما ادعوه من الانتساب إليه زور وباطل، وإن هذا الناجم في مصر وهو وسلفه كفار فساق ملحدون معطلون، وللإسلام جاحدون، أباحوا الفروج وأحلوا الخمور وسبوا الأنبياء وادعوا الربوبية.»
ولم يقصر المؤرخون المنكرون عن القوم في العنف والسباب؛ فقال صاحب كتاب الروضتين في أخبار الدولتين عن الفاطميين: «إن المعروف عنهم أنهم بنو عبيد، وكان والد عبيد هذا من نسل القداح الملحد المجوسي، وقيل: كان والد عبيد هذا يهوديا من أهل سلمية من بلاد الشام، وكان حدادا، وعبيد هذا كان اسمه سعيدا، فلما دخل المغرب تسمى بعبيد الله وزعم أنه علوي فاطمي، ثم ترقت به الحال إلى أن ملك وتسمى بالمهدي، وكان زنديقا خبيثا عدوا للإسلام متظاهرا بالتشيع متسترا به حريصا على إزالة الملة الإسلامية، قتل من الفقهاء والصالحين جماعة كثيرة، وكان قصده إعدامهم من الوجود ليبقى العالم كالبهائم فيتمكن من إفساد عقائدهم، ونشأت ذريته على ذلك منطوين يجهرون به إذا أمكنتهم الفرصة وإلا أسروه، والدعاة منبثون لهم في البلاد، وبقى هذا البلاء على الإسلام من أول دولتهم إلى آخرها، وفي أيامهم كثرت الرافضة وأفسدت عقائد طوائف من أهل الجبال الساكنين بثغور الشام، وأخذت الإفرنج أكثر البلاد بالشام والجزيرة إلى أن من الله على المسلمين بظهور البيت الأتابكي وتقدمه مثل صلاح الدين فاستردوا البلاد وأزالوا هذه الدولة.»
ومن اعتدل من المؤرخين في الإنكار والسباب، كابن خلكان، أيد التهمة بالقصص التي تؤكدها لو أنها ثبتت؛ كالقصة التي اشتهرت عن سيف المعز وذهبه، وأن ابن طباطبا سأل المعز عند وصوله عن نسبه فسل سيفه، فقال: «هذا نسبي» ثم نثر عليهم الذهب وقال: «وهذا حسبي» وقنع منه الحاضرون بما سمعوه وشهدوه.
وظاهر بغير عناء أن الوثيقة العباسية لا قيمة لها من الوجهة التاريخية؛ لأن الذين وقعوها من الأشراف العارفين بالأنساب قد أكرهوا على توقيعها، ومن وقعها غيرهم من فقهاء القصر والحاشية لم يكن أحد منهم حجة في مسائل النسب والتاريخ، وقد أضعفوا دعواهم غاية الضعف بنسبة جد الفاطميين إلى ديصان الثنوي، وهو من أبناء القرن الثالث للميلاد، ذهب إلى التوفيق بين المسيحية والزرادشتية قبل البعثة الإسلامية بنحو أربعة قرون، ولم يظهر أحد بهذا الاسم على عهد العباسيين غير من يسميه المؤرخون حينا بديدان وحينا بزندان أو دندان ولا شأن له بنشأة الثنوية ولا بالدعوة إليها في قول أحد من أولئك المؤرخين، وإنما قيل عنه: إنه كان على ثروة كبيرة وعاون إسحاق بن إبراهيم بن مصعب على الثورة في عهد الخليفة المأمون.
وادعاء الموقعين للوثيقة أن خلفاء الفاطميين أباحوا المحرمات واستحلوا الموبقات لم يقم عليه دليل قط من وقائع التاريخ، بل ثبت من هذه الوقائع أن بعض هؤلاء الخلفاء اكتفى بزوجة واحدة ولم يبح لنفسه ما كان يباح في قصور الخلفاء من التسري واقتناء الإماء، وقد خولط الحاكم بأمر الله في عقله فجنح إلى التنطس
4
في الطعام، وحرم المباح منه بدلا من إباحة الحرام!
ولعله لا يخفى على أحد من النظرة الأولى قصة التبشيع والتشنيع في نسبة الفاطميين تارة إلى المجوس وتارة إلى اليهود، فكأنه لا يكفي أن تسقط دعواهم في الخلافة حتى تسقط دعواهم في الإسلام وترجع نسبتهم إلى أبعد الملل عن الديانة الإسلامية في عرف ذلك العصر على الخصوص، ثم يقال عنهم ما لا يقال في جميع المجوس واليهود من استباحة المحرمات والتهافت على الشهوات.
والقصة التي رويت عن سيف المعز وذهبه غنية عن التكذيب؛ لأن ابن طباطبا الذي قيل: إنه سأل المعز عن نسبه عند وصوله إلى مصر قد توفى قبل قدوم المعز إليها بأربع عشرة سنة، وابن خلكان صاحب القصة هو الذي ذكر تاريخ وفاته فلم يكذب القصة بل قال: لعله أمير آخر. مع أن اسم «المعز» هو الذي دار عليه مثل السيف والذهب المشهور، وليس من المعقول بأية حال أن يقيم الفاطميون دعواهم على النسب ثم يعجزون عن ذكر هذا النسب حين يسألون عنه، فكل جواب أيسر وأنفع من الجواب الذي وضعوه على لسان المعز لدين الله، ولا معنى له إلا الاعتراف الصريح بأنه مدخول النسب دعي في الخلافة.
وقد روى ابن خلكان أيضا أن العزيز بالله صعد المنبر فوجد فيه ورقة كتبت عليها هذه الأبيات:
Halaman tidak diketahui