Fatimah Az-Zahra dan Fatimiyun
فاطمة الزهراء والفاطميون
Genre-genre
ومن اصطناعه للرجال أنه كان يستخلص الخدام والأعوان ولا يغار من تعظيمهم بين يديه، بل يأمر الشعراء أن ينظموا القصائد في مدحهم ويأذن لهم أن يخاطبوهم بها في حضرته. وكذلك أمر شعراءه أن يمدحوا قائده جوهر الصقلي، وأمر العظماء والكبراء أن يترجلوا عند توديعه، ولما تم لجوهر فتح مصر وأرسل وكيله الكتامي جعفر بن فلاح لفتح الشام تخطى الوكيل جوهرا عند تبليغ بشارة الفتح إلى المعز، فلم يبدأ بإبلاغه إلى رئيسه «المباشر» ليبلغها من جانبه إلى الخليفة، فغضب المعز على جعفر بن فلاح ورد إليه كتبه ليعيدها من طريق جوهر إليه.
ومن اصطناعه للرجال أنه كان يعفو عن الشجعان من أعدائه ويوقع في نفوسهم الأمن والطمأنينة بالتجربة بعد التجربة؛ حتى يمحضوه الطاعة خالصة بغير ريبة. ومن المشهور عنه أنه كان إذا لقى أحدا من مخالفيه تركه ينصرف وهو يحسبه من حزبه ورأيه، ولعل هذا كان سبب الإشاعة التي تواترت بين الرهبان والقسوس بتنصره وبقائه على النصرانية، فإن الخبر الذي جاء في كتاب «الخريدة
1
النفيسة في تاريخ الكنيسة»، لأحد الرهبان يقول: إنه اعتزل الملك وترهب ومات فدفن في مقبرة أبي سيفين، ويقال في سر ذلك: إنه تحدى البطرق إيرام أن يزحزح الجبل فجاءه بمن زحزحه على ملأ من الأمراء والكبراء وقادة الجند ورؤساء الدواوين.
والثابت من الأخبار يغني عن هذه الإشاعات، فإن الخليفة المعز أمر قائده جوهرا ألا يتعرض لمخالف في الدين ولا في المذهب بما يعطل شعائر دينه أو مذهبه، وأطاع جوهر مولاه، فبنى الدير الذي عرف بدير الخندق بديلا من الدير الذي أصابه الهدم عند تمهيد الأرض لبناء القاهرة، وجاء المعز فجدد كل ما تهدم من الصوامع والبيع
2
وجدد كنيسة «مركوريوس» التي تسمى بكنيسة أبي سيفين؛ (لأن القديس كان يرسم على صهوة جواد وفي يديه سيفان). وقيل: إنه أمر بإقامة البناء على المجذوب الذي أثار الدهماء استنكارا لبنائها وآلى ليبقين في حفرة الأساس حتى يقام عليه، فلم ينقذه من مصيره إلا شفاعة البطرق له عند الخليفة.
فهذا وما جبل عليه المعز من المجاملة وما تعوده من الترحيب في مجلسه بالمتناظرين في الأديان والمذاهب هو على التحقيق أصل تلك الإشاعة عن مدفنه في مقبرة الكنيسة، ولعلها إشاعة نبتت بعد عصر المعز بعدة سنين، يوم كانت هذه الإشاعة وما إليها موئل العزاء في أيام الخليفة الحاكم المخبول، لمن كان يضطدهم من المخالفين وبينهم مسيحيون ومسلمون من الشيعة والسنيين. •••
ومن تفرسه في استطلاع أحوال الأمم واغتنام الفرص أنه عول من اللحظة الأولى على فتح مصر ونشر فيها العيون والدعاة. وجاءه من مصر وزراء يستعجلونه ويستحثونه، وتلاحقت الأنباء بسوء الحال واشتداد الغلاء وفتك الوباء، فلم يعجله ذلك كله كما أعجله ما سمعه عن تدهور الأخلاق بين ولاة الأمر. ومنه في رواية المقريزي أن صبية عرضت في مصر للبيع وطلب فيها البائع ألف دينار، «فحضر إليه في بعض الأيام امرأة شابة على حمار لتطلب الصبية فساومته فيها وابتاعتها منه بستمائة دينار، فإذا هي ابنة الإخشيد محمد بن طغج وقد بلغها خبر هذه الصبية، فلما رأتها شغفتها حبا فاشترتها لتستمتع بها.»
قال المقريزي: «فعاد الوكيل إلى المغرب وحدث المعز بذلك فأحضر الشيوخ وأمر الوكيل فقص عليهم خبر ابنة الإخشيد مع الصبية إلى آخره، فقال المعز: يا إخواننا! انهضوا لمصر فلن يحول بينكم وبينها شيء، فإن القوم قد بلغ بهم الترف إلى ان صارت امرأة من بنات الملوك فيهم تخرج بنفسها وتشتري جارية لتتمتع بها، وما هذا إلا من ضعف نفوس رجالهم وذهاب غيرتهم، فانهضوا لمسيرنا إليهم.»
Halaman tidak diketahui