Fatawa Hadithiyya
الفتاوى الحديثية
Penerbit
دار الفكر
الْعَام بِدَلِيل تصريحه بِهِ فِي غير ذَلِك، وَلِأَن النُّحَاة لَا يُرِيدُونَ بِالْعَام وَالْخَاص المبحوث عَنْهُمَا فِي فن الْأُصُول، بل أَن الثَّانِي دَاخل فِي الأول وَلَو بطرِيق الْبَدَل لَا الشُّمُول فالعام عِنْدهم يَشْمَل الْمُطلق عِنْد الْأُصُولِيِّينَ، وَتَفْسِير الْفساد فِي الْآيَة بالشرك غير مَشْهُور فَلَا يعول عَلَيْهِ، وَقَوله تَعَالَى: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأٌّرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ [الْبَقَرَة: ٣٣] من ذَلِك أَيْضا كَمَا صرح بِهِ قَول أبي حَيَّان وآثر الْفِعْل فِي قَوْله: (وَأعلم) لتَكون جملَة معلقَة مَقْصُودَة بالعامل فَلَا يكون معمولها مندرجًا تَحت الْجُمْلَة الأولى وَهُوَ يدل على الاهتمام بالإخْبَار أَو جعل الخ لَعَلَّ أَو بِمَعْنى حَتَّى مُفردا بعامل غير الْعَامِل الأول، وَيُؤَيِّدهُ تَفْسِير جمع لغيب السَّمَوَات بِأَنَّهُ مَا قَضَاهُ من أُمُور خَلْقِه ولغيب الأَرْض، بِأَنَّهُ مَا فَعَلُوهُ فِيهَا بعد الْقَضَاء وَمَا أبْدُوه وَمَا كتموه من جملَة ذَلِك، وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلواةَ وَآتُواْ الزَّكَواةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [الْبَقَرَة: ٤٣] كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو حَيَّان أَيْضا بقوله: يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ رُكُوع الصَّلَاة وَأمرُوا بذلك، وَإِن كَانَ الرُّكُوع مندرجًا فِي الصَّلَاة الَّتِي أمروا بإقامتها لِأَن صلَاتهم لَا رُكُوع فِيهَا، أَي على أحد الْقَوْلَيْنِ فنبه بِالْأَمر على أَن ذَلِك فِي صَلَاة الْمُسلمين. قَالَ: وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِالرُّكُوعِ الانقياد والخضوع أَي فَيكون من عطف الْعَام على الْخَاص. وَقَول تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأٌّرْضِ﴾ [الْبَقَرَة: ٢٧] أَشَارَ الْبَيْضَاوِيّ إِلَى أَن الْأَخير من عطف الْخَاص على الْعَام لِأَنَّهُ فسر مَا قبله بِمَا يعمه وَغَيره، وَخَالفهُ أَبُو حَيَّان فَجعل ذَلِك من عطف الْعَام على الْخَاص حَيْثُ قَالَ: وترتيب هَذِه الصلات فِي نِهَايَة من الْحسن لِأَنَّهُ بَدَأَ أوّ لَا بِنَقْض الْعَهْد وَهُوَ أخص هَذِه الثَّلَاثَة ثمَّ بِمن يقطع مَا أَمر الله بوصله، وَهُوَ أَعم، ثمَّ أَتَى ثَالِثا بِالْفَسَادِ الَّذِي هُوَ أَعم من الْقطع. وَقَوله تَعَالَى: ﴿اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ﴾ [آل عمرَان: ٢٠٠] جعله الْبَيْضَاوِيّ من ذَلِك حَيْثُ قَالَ: ف (اصْبِرُوا) على مشاق الطَّاعَات وَمَا يُصِيبكُم من الشدائد (وَصَابِرُوا) أَي غالبوا أَعدَاء الله بِالصبرِ على شَدَائِد الْحَرْب، ثمَّ قَالَ: وتخصيصه بعد الْأَمر بِالصبرِ مُطلقًا لِشِدَّتِهِ. وَقَوله تَعَالَى: ﴿فَلْيَتَّقُواّ اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [النِّسَاء: ٩]، وَالثَّانِي من جملَة الأول الَّذِي هُوَ التَّقْوَى، وَقَوله تَعَالَى: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِ الْحَقِّ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ﴾ [آل عمرَان: ٤] جعله الْبَيْضَاوِيّ من عطف الْعَام على الْخَاص فَقَالَ: ذكر ذَلِك بعد ذكر الْكتب الثَّلَاثَة ليعم مَا عَداهَا كَأَنَّهُ قَالَ: وَأنزل سَائِر مَا يفرق بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل، وروى البُخَارِيّ فِي حَدِيث جِبْرِيل قَالَ: (فَأَخْبرنِي عَن الأسلام قَالَ: أَن تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا، وتقيم الصَّلَاة، وتؤتى الزَّكَاة، وتصوم رَمَضَان) قَالَ الْعَيْنِيّ فِي شَرحه: وتقيم الصَّلَاة إِلَخ من عطف الْخَاص على الْعَام أَي وَمثله حَدِيث الشَّيْخَيْنِ: (أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله دلَّنِي على عمل إِذا عملته دخلت الْجنَّة قَالَ: تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا، وتقيم الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة، وَتُؤَدِّي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة، وتصوم رَمَضَان) الحَدِيث. وروى البُخَارِيّ وَغَيره فِي خِصَال الْمُنَافِق (إِذا اؤتمن خَان، وَإِذا حدث كذب، وَإِذا عَاهَدَ غدر، وَإِذا خَاصم فجر) . قَالَ الْعَيْنِيّ: إِذا عَاهَدَ غدر دَاخل فِي قَوْله: إِذا اؤتمن خَان، وَإِذا خَاصم فجر دَاخل فِي قَوْله: إِذا حدث كذب. وروى التِّرْمِذِيّ أَنه ﷺ قَالَ: (صلوا خمسكم وشهركم، وَأَطيعُوا مَا آمركُم بِهِ تدْخلُوا جنَّة ربكُم) وَهَذَا من عطف الْعَام على الْخَاص والأمثلة فِي الْقسمَيْنِ كَثِيرَة جدا، وَفِي هَذَا الَّذِي تيَسّر الْآن كِفَايَة، وَالله ﷾ أعلم. ثمَّ كتب إِلَيْهِ بَعضهم مَا صورته: لَو قَالَ قَائِل: قد ذكر مَوْلَانَا فِي جَوَابه مَا نَصه: وَقد صرح ابْن الصّلاح وَغَيره بِأَن كَثْرَة النّسخ تنزل منزلَة التَّوَاتُر وَتارَة منزلَة الاستفاضة، وَمن الْمَعْلُوم أَن التَّوَاتُر وَلَو معنويًا يُفِيد الْعلم الضَّرُورِيّ، وَأَن الْأُصُولِيِّينَ اخْتلفُوا فِي أَي عدد يُفِيد التَّوَاتُر، وَجُمْلَة مَا رَأَيْنَاهُ من الْكتب الَّتِي بِالْوَاو فِي ذَلِك تقرب من أَعلَى مَا قيل فِي حد التَّوَاتُر، إِذا تقرر ذَلِك علم أَن رِوَايَة الْوَاو هِيَ الْأَمر الْمُتَيَقن الضَّرُورِيّ الَّذِي لَا شكّ فِيهِ وَلَا مرية، فَلَا يحْتَاج بعد ذَلِك إِلَى الْبَحْث عَنْهَا انْتهى كَلَام مَوْلَانَا. وَمن الْمَعْلُوم أَن التَّوَاتُر الَّذِي يُفِيد الْعلم الضَّرُورِيّ هُوَ مَا كَانَ متواترًا فِي كل طبقَة، وَأَنه لَا يَكْفِي احْتِمَال تواتره وَلَا ظَنّه إذْ الْمَشْكُوك والمظنون لَا ينْتج الْقطع، فَقَوْل ابْن الصّلاح: إِن كَثْرَة النّسخ تنزل منزلَة التَّوَاتُر، يجب حمله على كَثْرَة النّسخ فِي سَائِر الطَّبَقَات أَو كَلَامه فِيمَا إِذا لم تكن إِلَّا طبقَة وَاحِدَة، وَإِلَّا فَلَو تعدَّدَتْ الطَّبَقَات، وفقدت الْكَثْرَة فِي بعض الطَّبَقَات فَلَا وَجه لتنزيلها منزلَة التَّوَاتُر فِي إِفَادَة الْعلم الضَّرُورِيّ، مَعَ أَن الْمُتَوَاتر نَفسه إِذا فقد تواتره فِي بعض الطَّبَقَات لَا يُفِيد الْعلم الضَّرُورِيّ، وَمن الْمَعْلُوم أَن الْجُمْلَة المروية
1 / 66