150

صلى الله عليه وسلم

قد بعث، وكان خصومه يتشيعون للفرس ويذكرون أن الروم هزموا؛ لأنهم أهل كتاب كالمسلمين.

وتشيع المسلمون للروم، واشتد تشيعهم لهم حين نزل قوله تعالى:

غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ، وأقام الفريقان يتابعان ما يجري بين الدولتين العظيمتين، ويعلقان بما يعن لهما على ما يبلغهما من أنباء الوقائع التي تشتبكان فيها.

وقد اتصل القتال بين الدولتين في مصر زمنا غير قليل ذلك لأن الفرس دخلوها في سنة 616 لميلاد المسيح، وأقاموا بها تسع سنوات حتى أجلاهم هرقل عنها وعن الشام، وفي أثناء هذه السنوات كان المسلمون يمدون أبصارهم إلى تلك الأرجاء، مؤمنين بأن الروم سيغلبون الفرس لا محالة، كما أوحى الله إلى نبيه، فلما تمت كلمة ربك وارتد الفرس إلى بلادهم كان رسول الله قد هاجر إلى المدينة، وكانت سراياه تسير منها إلى ما حولها، فلما استتب له الأمر، بعث رسله إلى كسرى وإلى قيصر وإلى ملوك الحيرة وغسان وإلى أمراء الجنوب من شبه الجزيرة وإلى حاكم مصر يدعوهم جميعا إلى الإسلام.

وقد يلفت النظر أن المقوقس حاكم مصر كان أجمل الملوك والأمراء ردا على رسالة النبي وأكثرهم مجاملة له، وقد بعث مع حاطب بن أبي بلتعة رسول النبي إليه بكتاب يشير فيه إلى أنه يعتقد أن نبيا سيظهر، ولكنه ظن أنه سيظهر في الشام، ويذكر أنه استقبل رسوله بما يجب له من إكرام، وأنه بعث بهدية: جاريتين وبغلة بيضاء وحمار ومقدار من المال وبعض خيرات مصر،

1

وقد اصطفى محمد مارية القبطية إحدى الجاريتين لنفسه، فولدت له إبراهيم، فرفعها إلى مقام زوجاته، ثم كان يقول: «استوصوا بالقبط خيرا فإن لهم ذمة ورحما.»

واختيار النبي حاطب بن أبي بلتعة لأداء رسالته إلى المقوقس، واختياره عمرو بن العاص في الوقت نفسه رسولا إلى ملكي عمان، يشهد بأن حاطبا كان كثير التردد على مصر في التجارة، ويبعث على الظن بأنه كان يعرف لغة المصريين، ولو أن عمرو بن العاص كان أهدى بهذه البلاد وأكثر علما بلغة أهلها لآثره النبي على حاطب ولاختاره رسولا إلى المقوقس.

ولا ريب في أن المسلمين قد ازدادوا معرفة بمصر وعلما بما فيها بعد أن اختار رسول الله الرفيق الأعلى، وبعد أن فتحوا العراق والشام واستقروا بهما واتصلوا بأهلهما مدى السنوات التي انقضت قبل أن يفاتح عمرو بن العاص أمير المؤمنين في فتح مصر، فقد ظل الفرس حكاما لمصر عشر سنوات قبل أن يجليهم هرقل عنها، فعرفوا من مواقعها وحصونها وثروتها وحضارتها ما أفضوا به إلى العرب الذين اتصلوا بهم من بعد، وكانت الصلة بين مصر والشام وثيقة؛ إذ كانتا جميعا في حكم الروم، وإذ كان أهل الشام يذهبون إلى مصر يبادلون أهلها التجارة، وقد عرف المسلمون منهم ما يعرفونه هم عن مصر؛ لذلك كانت صورة مصر واضحة في ذهن عمر، وفي ذهن ابن العاص، وفي ذهن كثيرين حتى بدأ عمرو يفاتح الخليفة في فتحها.

Halaman tidak diketahui