Falsafah Inggeris dalam Seratus Tahun (Bahagian Pertama)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
Genre-genre
ولا حاجة بنا إلى تتبع كل من هذه على حدة، وإنما سننتقي حالة الذات لنضرب مثلا بها على الطريقة التي سار عليها؛ إذ إنها تكشف على أكمل وجه عن مدى استعداد برادلي للخروج عن مواقف المثاليين السابقين عليه، مثل جرين وولاس كلما اقتضى مبدؤه ذلك. وتلك هي أوضح حالة تبين مدى تحكم الإطار الجامد الذي وضعه برادلي في نتائجه مقدما، وإلى أي حد أغمض عينيه عن حل كان قريبا من متناول يده، وفي الوقت ذاته كانت تقتضيه المشكلة ذاتها. فدون أن يبذل حتى مجرد محاولة لحل مشكلة الهوية الشخصية بتحليل مباشر للوقائع المجردة، نراه يكتفي ببحث النظريات المتعلقة بها، وهي نظريات بلغت من الكثرة والتنوع حدا يبعث على الاضطراب، وانتهى إلى أن تصورا له من التباين والغموض ما لتصور الذات لا يمكنه أن يفي بتلك الشروط التي ينبغي عليه، أو على أي تصور آخر، أن يفي بها إذا ما شاء أن يعد حقيقيا أو واقعيا؛ لذلك أدرجه ضمن المظاهر. غير أن الذات تمثل حالة ينطبق عليها بكل وضوح معيار الواقعية الذي رأى برادلي أن له أهمية عظمى، أعني معيار انسجام الواحد والكثير، والكثرة في وحدة مركبة. فهو إذ أنكر وحدة الوعي الذاتي قد جعل الذات مساوية لمجموع تجاربها بدلا من أن يجعلها مساوية لوحدة هذه التجارب. وهكذا انتهى إلى الرأي القائل إنها مجرد حزمة من الأحوال المتفرقة، فاقترب بذلك كثيرا من نظرية هيوم التي كان قد أعلن صراحة عن عدم رضائه بها. والأهم من ذلك أنه تخلى بهذا عن الرأي الذي كان قد عرضه في مذهبه الأخلاقي من قبل. وفضلا عن ذلك فإن هذا قد جعل من المستحيل عليه - كما سنرى فيما بعد - أن ينتفع على أي نحو من مقولة الشخصية في تحديد المطلق. وهكذا فإن نظريته في الذات، كما عرضها في كتابه عن الميتافيزيقا، تمثل نكسة إلى التجريبية (التي كانت تربطه بها بالفعل صلات قوية)، وهي تعد مثالا للطريقة التي أساء بها مفكر لامع الذهن مثله إلى مشكلة في سبيل مبدأ.
وهكذا لا يتبقى لدينا، بعد هذا كله، إلا ثنائية وهوة شاسعة بين المظهر والواقع، ولكن من الواضح أن المسألة لا يمكن أن تقف عند هذا الحد. وهكذا يتصدى برادلي في الباب الثاني من كتابه لمعالجة الجراح التي سببها في البداية؛ فهو يبين عندئذ أن العالمين المفصولين ديالكتيكيا لا يمكن أن يوجدا منعزلين، وأن كلا منهما يتضمن إشارة إلى الآخر، فالمظهر هو - على أية حال - شيء ما وليس عدما؛ ولذلك ينبغي أن ينتمي إلى الواقع على نحو ما. ومن جهة أخرى فلو أخذ الواقع في ذاته وبذاته لكان عدما، فمن الواجب إذن أن يشتمل على المظهر على نحو ما، إذ لا يمكن - على أبسط الفروض - أن يكون أقل من هذا. وهكذا انتهى برادلي إلى أن المظهر في حاجة إلى الواقع لتكملة ذاته، وأن الواقع في حاجة إلى المظهر ليجعل لذاته مضمونا وواقعية، وهنا ينبغي أن نتساءل عن الطريقة التي ينتمي بها المظهر إلى الواقع، أو إلى المطلق كما يسميه برادلي عادة. وهو يقول في نهاية الكتاب (مشيرا إلى هيجل، مع إبداء الموافقة على رأيه) إن الواقع روحي. فإذا ما تأملنا هذا القول في ضوء المجرى العام لاستدلاله، لبدا لنا أنه خاتمة بلاغية أكثر من كونه ممثلا لرأيه الحقيقي؛ إذ إنه قد أعلن أن الفكر العلائقي (الذي لا يعرف برادلي للفكر نوعا غيره) لا يمكن بأية حال أن يعبر عن طبيعة المطلق، وأعلن بوجه خاص أن المطلق لا يمكن تصوره على مثال الذات أو الشخصية، ما دام الفكر والذات ينتميان سويا إلى عالم المظهر، أما رأيه الحقيقي، الذي يدل مرة أخرى على استمرار عناصر تجريبية في تفكيره، فهو أن المطلق تجربة حاسة، إنه حقا نسق واحد منسجم شامل، ولكن محتواه يتألف من التجربة الحاسة، وفي هذا المطلق تنحل كل الفوارق في وفاق أو ترفع (
aufgehoben ) على حد تعبير هيجل.
والحق أنه لمما يبعث على الحيرة، بعد ذلك المستوى الرفيع الذي رفع إليه برادلي المطلق، أن نراه يوحد بين المطلق وبين التجربة الحاسة، ويرفع هذه الأخيرة بالتالي فوق مستوى التجربة المنظمة أو التي نتوصل إليها بالفكر. فمن الواضح أنه لا توجد تجربة نستطيع بها أن ندرك المطلق إدراكا مباشرا. وربما كان برادلي قد شعر بهذه الصعوبة؛ إذ إنه بحث عن تشبيه ليوضح معناه، وأحالنا في النهاية إلى التجربة الباطنة التي نمارسها عندما نحس مباشرة بشعور خالص متجانس تماما. فهو يرى في هذه الأخيرة أنموذجا أو صورة دنيا لتجربة «المطلق»، نظرا إلى ما تتصف به من كلية لا تتجزأ. والاثنتان متوازيتان، ولا تختلفان إلا من حيث إن إحداهما تقع في الجانب الأقرب لعالم المظهر المتناقض، نظرا إلى أنها لم تخضع بعد للنشاط المقالي (
discursive ) للفكر، بينما الأولى تتجاوزه، لا بالمعنى المكاني، وإنما بمعنى أنها قد علت على الانقسامات والتقابلات التي يأتي بها الفكر، واستعادت التجربة الأصلية المتصلة على مستوى أعلى. هذا الطابع المطلق للشعور، الذي يبعث النشوة أحيانا في نفس برادلي، يؤدي به إلى إصدار تأكيدات جريئة إلى حد مفزع، من أمثلتها ما يلي: «لا شيء حقيقيا أو واقعيا في النهاية إلا ما هو موضوع للشعور، وبالنسبة إلي لا يكون هناك في النهاية شيء واقعي إلا ما أشعر به ... فالواقع - لكي يكون واقعا - ينبغي أن يشعر به.»
79
وفي الشعور نحس بالكثرة على أنها وحدة، وبالأجزاء على أنها كل، فهنا نكون على مستوى أدنى من مستوى التقسيم إلى ذات وموضوع، والتقابل بين الصواب والخطأ، هذه التجربة، التي هي أكثر تجاربنا أولية، تتصف بتلك الوحدة في الكثرة، التي أنكرها برادلي على أعلى التجارب مستوى، أعني تجربة الوعي الذاتي، غير أن الوحدة هنا «تمارس» فحسب، وهي تختفي بمجرد إعمال الفكر فيها، بل إننا لا نستطيع التعبير عنها بألفاظ، وإنما نستطيع فقط أن نشعر بأنها انعكاس لتلك التجربة الأعلى التي نشارك بها في المطلق.
وهكذا تتضح الآن الخطوط العامة لنظرة برادلي إلى العالم. فهي ترسم صورة لثلاثة مستويات: أدناها عالم الشعور المباشر، أي التجربة قبل العلائقية
pre-relational
التي نشعر فيها بكل لا انقسام فيه ولا تنوع، ويلي ذلك المستوى الديالكتيكي، أي عالم الفكر الذي توجد فيه علاقات تفكك الوحدة الأصلية للشعور، وتكون فيه الأشياء مظاهر فحسب لا واقعا، والثالث عالم الواقع والمطلق الذي تعود فيه، في مركب أعلى، تلك الوحدة والكلية المفقودتان في المرحلة الثانية. ويمكن التعبير عن معنى برادلي بدقة على نحو أكثر عينية وإنسانية. فنحن إذ أكلنا من «شجرة المعرفة» قد فقدنا وحدتنا النقية الأصلية، وأصبحنا في كل سعي لنا نهدف إلى استردادها. غير أننا لا نستطيع أبدا أن نرجع إلى حالتنا الأصلية، فأبواب الجنة الأرضية موصدة في وجوهنا إلى الأبد، ولكنا ربما اهتدينا بعد أن نكون قد تحملنا حياتنا المضطربة الممزقة هنا، إلى الوحدة ثانية في عالم أعلى وأسمى، وسواء أمكننا إدراك ذلك أو لم يمكننا، فإن كل شوق لنا، في الوقت الحالي إنما يتجه إليها، فالإنسان ينتقل من البراءة النقية للشعور الساذج، إلى إثم المعرفة، ومنه إلى التوبة والخلاص في المطلق.
Halaman tidak diketahui