169

Fajar Islam

فجر الإسلام

Genre-genre

صلى الله عليه وسلم

مخالطة مكنتهم من معرفة الحوادث التي نزلت فيها آيات القرآن، وعدم تحرجهم من أن يجتهدوا ويقروا ما أداهم إليه اجتهادهم؛ نستثني من ذلك ابن عباس، فإنه استعاض عن ملازمة النبي في شبابه بملازمة علماء الصحابة يأخذ عنهم ويروي لهم، ولو أنا رتبنا هؤلاء الأربعة حسب كثرة ما روي عنهم لكان ابن عباس أولهم، ثم عبد الله بن مسعود، ثم علي بن أبي طالب، ثم أبي؛ هذا بالنسبة لما روي لا بالنسبة لما صح، ويظهر أنه وضع على ابن عباس وعلي أكثر مما وضع على غيرهما، ولذلك أسباب: أهمها أن عليا وابن عباس من بيت النبوة، فالوضع عليهما يكسب الموضوع ثقة وتقديسا لا يكسبهما الإسناد إلى غيرهما؛ ومنها أنه كان لعلي من الشيعة ما لم يكن لغيره، فأخذوا يضعون وينسبون له ما يظنون أنه يعلي من قدره العلمي؛ وابن عباس كان من نسله الخلفاء العباسيون، يتقرب إليهم بكثرة المروي عن جدهم، إن شئت فانظر إلى ما روى ابن أبي جمرة عن علي أنه قال: لو شئت أن أوقر سبعين بعيرا من تفسير أم القرآن (الفاتحة) لفعلت، وما روي عن أبي الطفيل قال: شهدت عليا يخطب وهو يقول: سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل؟ ومجرد رواية هذين الحديثين يغني عن التعليق عليهما، وقد روي عن ابن عباس ما لا يحصى كثرة، فلا تكاد تخلو آية من آيات القرآن إلا ولابن عباس فيها قول أو أقوال؛ وكثر الرواة عنه كثرة جاوزت الحد، واضطرت النقاد أن يتتبعوا سلسلة الرواة فيعدلوا بعضا ويجرحوا بعضا، فيقولون مثلا: إن طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من أجود الطرق، وقد اعتمد عليهما البخاري؛ ورواية جويبر عن الضحاك عن ابن عباس غير مرضية، وابن جريج في جمعه لم يقصد الصحة، وإنما روى ما ذكر في كل آية من الصحيح والسقيم؛ ورواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أوهى طرقه، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب، إلى كثير من أمثال ذلك.

وقد روي من طرق ابن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمئة حديث

8 ، فإن صح هذا دلنا على مقدار ما كان يختلق الوضاعون، وإلى أي حد بلغت جرأة الناس على الاختلاق.

ومن أدلة الوضع أنك ترى روايتين نقلتا عن ابن عباس أحيانا وهما متناقضتان، لا يصح أن تنسبا إليه جميعا، فترى في ابن جرير مثلا عند تفسير قوله تعالى:

فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا ، عن معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: إنما هو مثل: قال قطعهن ثم اجعلهن في أرباع الدنيا، ربعا هاهنا وربعا هاهنا، ثم ادعهن يأتينك سعيا؛ وقال بعد قليل: حدثنا محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال حدثني عمي قال: حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس: فصرهن إليك، صرهن: أوثقهن

9 . اه. فهو يفسر صرهن مرة بقطعهن ومرة بأوثقهن، ومن العسير أن تتكلف القول بأنه فسر هذا زمنا وفسر ذلك آخر، وأمثال ذلك كثير في ابن جرير.

على أن هذا التفسير الموضوع - والحق يقال - لا يخلو من قيمته العلمية، فلم يكن الوضع مجرد قول يلقى على عواهنه، إنما هو في كثير من الأحيان نتيجة اجتهاد علمي قيم، والشي الذي لا قيمة له فقط هو إسناده إلى علي أو ابن عباس.

وإذا نحن ألقينا نظرة عامة على ما روي من التفسير عن ابن عباس وغيره وجدنا منبعه هو الأشياء الثلاثة التي ذكرناها قبل: نقل عن رسول الله أو رواية حوادث وقعت أمامهم، توضح معنى الآية؛ واجتهادهم في الفهم معتمدين على الأدب الجاهلي ومعرفتهم بلغة العرب والعادات التي كانت فاشية في الجاهلية وصدر الإسلام، والإسرائيليات وما إليها. •••

بعد عصر الصحابة اشتهر بعض التابعين في الرواية عمن ذكرنا من الصحابة، فأكثر من يروي عن ابن عباس: مجاهد، وعطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس، وسعيد بن جبير، وهؤلاء كانوا من تلاميذه في مكة، وكلهم من الموالي، وهم يختلفون في الرواية عن ابن عباس قلة وكثرة، كما يختلف العلماء في مقدار الثقة بهم؛ فمجاهد من أقلهم رواية عن ابن عباس ومن أوثقهم، ولهذا يعتمد على تفسيره الشافعي والبخاري وغيرهما من أهل العلم، ولكن كان بعض العلماء لا يأخذ بتفسير مجاهد، فقد روى ابن سعد في طبقاته أن الأعمش سئل: ما لهم يتقون تفسير مجاهد؟ قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب

Halaman tidak diketahui