168

Fajar Islam

فجر الإسلام

Genre-genre

فالأدب الجاهلي من شعر ونثر، وعادات العرب في جاهليتها وصدر إسلامها، وما قابلهم من أحداث، وما لقي رسول الله من عداء ومنازعات وهجرة وحروب وفتن، وما حدث في أثناء ذلك مما استدعى أحكاما واستوجب نزول قرآن، كل هذا كان مصدرا لعلماء الصحابة، والتابعين يستمدون منه القدرة على التفسير.

ثالثا:

وهناك منبع آخر من منابع التفسير استمد منه المفسرون كثيرا، ذلك أن شغف العقول وميلها للاستقصاء دعاها عند سماع كثير من آيات القرآن أن تتساءل عما حولها، فإذا سمعوا قصة كلب أصحاب الكهف قالوا: ما كان لونه؟ وإذا سمعوا

فقلنا اضربوه ببعضها ، تساءلوا: ما ذلك البعض الذي ضربوا به؟ وما قدر سفينة نوح؟ وما اسم الغلام الذي قتله العبد الصالح في قصة موسى معه؟ وإذا تلي عليهم:

فخذ أربعة من الطير ، قالوا: ما أنواع هذا الطير؟ وما هي الكواكب التي رآها يوسف في منامه؟ وكذلك إذا سمعوا قوله تعالى في قصة موسى مع شعيب سألوا: أي الأجلين قضى موسى؟ وهل تزوج الصغرى أو الكبرى؟ وهكذا؛ كذلك كانوا إذا سمعوا إشارة إلى بدء الخليقة طلبوا بقية القصة، وإذا تليت عليهم آية فيها إشارة إلى حادثة لنبي لم يقتنعوا إلا باستقصائها، وكان الذي يسد هذا الطمع هو التوراة وما علق عليها من حواش وشروح، بل وما أدخل عليها من أساطير، وقد دخل بعض هؤلاء اليهود في الإسلام فتسرب منهم إلى المسلمين كثير من هذه الأخبار، ودخلت في تفسير القرآن يستكملون بها الشرح، ولم يتحرج حتى كبار الصحابة مثل ابن عباس من أخذ قولهم، روي أن النبي

صلى الله عليه وسلم

قال: «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم»؛ ولكن العمل كان على غير ذلك، وأنهم كانوا يصدقونهم وينقلون عنهم، وإن شئت مثلا لذلك فاقرأ ما حكاه الطبري وغيره عند تفسير قوله تعالى:

هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ، وقد رأيت أن ابن عباس كان يجالس كعب الأحبار ويأخذ عنه؛ ويعجبني في ذلك ما قاله ابن خلدون: «إن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية، وإذا تشوفوا إلى معرفة شيء ما تتشوف إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى؛ وأهل التوراة الذين بين العرب يومئذ أهل بادية مثلهم، ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب، ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهودية، فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها، مثل بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك، وهؤلاء مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام وأمثالهم، فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم في أمثال هذه الأغراض، أخبار موقوفة عليهم، وليست مما يرجع إلى الأحكام فيتحرى في الصحة التي يجب بها العمل، وتساهل المفسرون في مثل ذلك، وملئوا كتب التفسير بهذه المنقولات» ... إلخ

7 .

المفسرون في هذا العصر: اشتهر عدد قليل من الصحابة بالقول في تفسير القرآن، وأكثر من روي عنه منهم علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب؛ وأقل من هؤلاء زيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير، ولنقصر قولنا على الأربعة الأولين؛ لأنهم أكثر من غذى التفسير في مدارس الأمصار المختلفة، والصفات العامة التي مكنت هؤلاء الأربعة الأولين من التبحر في التفسير: قوتهم في اللغة العربية وإحاطتهم بمناحيها وأساليبها، ومخالطتهم للنبي

Halaman tidak diketahui