Explanation of the Six Principles
شرح الأصول الستة
Genre-genre
الاجتهاد بابه مفتوح لمن كان أهلًا له
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، أجمعين.
أما بعد: فيقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ﵀: [الأصل السادس: رد الشبهة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة واتباع الآراء والأهواء المتفرقة المختلفة، وهي: أن القرآن والسنة لا يعرفهما إلا المجتهد المطلق، والمجتهد المطلق هو الموصوف بكذا وكذا أوصافًا لعلها لا توجد تامة في أبي بكر وعمر.
فإن لم يكن الإنسان كذلك فليعرض عنهما فرضًا حتمًا لا شك ولا إشكال فيه، ومن طلب الهدى منهما فهو إما زنديق وإما مجنون؛ لأجل صعوبة فهمها، فسبحان الله وبحمده! كم بيّن الله سبحانه شرعًا وقدرًا خلقًا وأمرًا في ردّ هذه الشبهة الملعونة من وجوه شتى بلغت إلى حد الضروريات العامة، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر:٥٧]، ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ * وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ [يس:٧-١١] .
آخره، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين] .
هذا هو آخر الأصول الستة من هذه الرسالة المباركة التي سماها الشيخ ﵀ [ستة أصول عظيمة مفيدة] .
يقول ﵀: [الأصل السادس: رد الشبهة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة واتباع الآراء والأهواء المتفرقة المختلفة، ووهذه الشبهة- هي أن القرآن والسنة لا يعرفهما إلا المجتهد المطلق، والمجتهد المطلق هو الموصوف بكذا وكذا أوصافًا لعلها لا توجد تامة في أبي بكر وعمر) .
هذا الأصل السادس والأخير هو دعوة من الشيخ ﵀ إلى تدبر كتاب الله ﷿، والإقبال على الانتفاع بسنة رسول الله ﷺ، وأن ينظر الإنسان في هذين الأصلين العظيمين اللذين يضمن لمن أخذ بهما نجاة الدنيا والآخرة؛ فإن الإقبال على الكتاب والسنة هو سبيل السلف الصالح، وهو طريقهم، فهذه الشبهة منعت كثيرًا من الناس من الإقبال على الكتاب السنة، والشيخ ﵀ يريد أن يفند هذه الشبهة، وهذه الشبهة هي: أن الكتاب والسنة لا يفهمهما كل أحد، إنما يفهمهما المجتهد المطلق، أو يستنبط منهما المجتهد المطلق.
قال رحمه الله تعالى: [والمجتهد المطلق هو الموصوف بكذا وكذا] كنى عن الصفات التي ذكروها مطولةً في كتب أصول الفقه بقوله كذا وكذا.
ثم قال رحمه تعالى عن هذه الشروط: [أوصافًا لعلها لا توجد تامة في أبي بكر وعمر]، وحقيقة أنها لا توجد في أبي بكر وعمر؛ لأنهم يشترطون أن يكون المجتهد محيطًا بسنة رسول الله ﷺ، لا يغيب عنه منها شيء، وهذا ليس في أبي بكر، ولا في عمر؛ فإن أبا بكر ﵁ رجع إلى الصحابة يسألهم عن سنة رسول الله ً ﷺ، وعمر رجع إلى الصحابة يستشيرهم ويسألهم: هل عندهم عن رسول الله ﷺ خبر.
فهذه الشروط المطولة التي لا تنطبق على أحدٍ من الناس فضلًا عن العلماء في متأخري الزمان كانت حائلًا بين كثيرٍ من أهل العلم وبين أن يستفيدوا من الكتاب والسنة، فمنعت الناس من الاجتهاد، وقَصَرَتهم على تقليد المتقدمين في أقوالهم؛ لأنهم لا يستطيعون أن يستفيدوا من الكتاب والسنة، وهذا غلطٌ كبير، وهو الذي سبب إغلاق باب الاجتهاد في بعض العصور، وأصبح المجتهد -كما قال المؤلف ﵀: إما زنديقًا أو مجنونًا، يعني: منافقًا أو مجنونًا، فلا يُقْدِم عليه إلا من تحمل هذين الوصفين، فامتنع الناس عن الاجتهاد، واقتصروا على التقليد، ولا شك أن الاجتهاد بابه مفتوح، ولكن ليس الاجتهاد أن يُعْمِلَ الإنسان الضعيف البضاعة رأيه في نصوص الكتاب والسنة فيأتي بما لم يأتِ به الأولون، بل لابد أن يكون عنده حد كافٍ من أوصاف المجتهد من العلم باللغة، والمعرفة بالكتاب وبالسنة، والمعرفة بقواعد الشريعة التي تمكنه من التوصل إلى الحكم، وأما هذه الشروط المطولة التي يذكرها علماء الأصول فهي نظرية فقط، ولو طبقتها على من اشترطها لم تجدها فيه؛ فإنه لا يصح ولا يسوغ.
قال رحمه الله تعالى في هذا الأصل: (رد الشبهة) والشبهة: هي: عارض يعرض للقلب، يمنعه من تصور الأمور على حقيقتها، فيحصل بها اشتباه والتباس، فلا يميز الذي اشتبه عليه الأمر بين الحق والباطل.
وقال رحمه الله تعالى: [التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة] أي: لأجل ترك القرآن والسنة، فهي سبب لترك القرآن والسنة، وسبب في اتباع الآراء والأهواء المتفرقة، وهو التقليد، وسماه اتباعًا تنزلًا، وهو في الحقيقة تقليد وليس اتباعًا.
ثم قال: [فإن لم يكن الإنسان كذلك -يعني: موصوفًا بهذه الصفات التي اشترطوها للمجتهد المطلق- فليعرض عنهما فرضًا حتمًا لاشك ولا إشكال فيه]، وهذا خلاف ما أمر الله به في كتابه، والله ﷿ قال: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء:٨٢]، وقال سبحانه: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد:٢٤]، وقال جل وعلا: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ [ص:٢٩] وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الرعد:٤]، كل ذلك دعوة إلى التفكر والتأمل الذي يثمر الاستنباط ونتائج الاجتهاد، فالاجتهاد نتيجة للتفكر والتأمل والنظر في كلام الله ﷿ فمن لم ينظر في كلام الله ﷿ ولم يتدبره فإنه لا يتوصل إلى ما يريد من استنباطات حكميةٍ أو شرعية؛ فإن سبيل حصول الحكم هو التدبر والنظر.
ثم قال رحمه الله تعالى: [ومن طلب الهدى منهما فهو إما زنديق وإما مجنون] يعني: لأجل صعوبة فهمهما وهذا غلط، فإن الله ﷿ يقول: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر:١٧]، فالله يسر القرآن، وهؤلاء يقولون: إنه عسير وتيسير القران هو تيسير قراءته وفهمه، وليس تيسير القراءة اللفظية؛ فإن القراءة اللفظية على العرب في ذلك الوقت كانت من أسهل ما يكون، ولكن الكلام في تيسير الفهم وتسهيله، وهذا ما تميز به القرآن، فإنه يفهمه العامي ويفهمه العالم، لكن هذا القدر المشترك بين العامي والعالم ليس مانعًا من أن يتفاضل الناس في فهمه، فمن الناس من يؤتى فهمًا عميقًا في القرآن، ومنهم من يقتصر على فهم اللفظ في حده الأدنى، ويشهد لهذا تفاضل الصحابة ﵃، مع أنهم أهل اللسان في فهم آي القرآن، فهذا ابن عباس رضي الله تعالى عنه يفهم من قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر:١-٣]، ما لم يفهمه كبار المهاجرين والأنصار، كما جرى ذلك في قصته مع عمر رضي الله تعالى عنه لما سأله عن هذه السورة؛ فإنه سألهم أولًا عن السورة فقالوا: هذه سورة أمر الله فيها رسوله بالتسبيح عند حصول الفتح وهذا معنى واضح يدركه كل صاحب لسان، لكن الذي فهمه ابن عباس هو أمر زائد على هذا، وهو أن هذه السورة نعت إلى النبي ﷺ نفسه، وأنها أخبرته بدنو أجله، وهذا فهم دقيق ما يتوصل إليه إلاّ من أعمل فكره ونظر وتأمل في هذا الكتاب العظيم، وفي سياق الكلام وسباقه.
ثم قال رحمه الله تعالى: [فسبحان الله وبحمده! كم بين الله سبحانه شرعًا وقدرًا خلقًا وأمرًا في رد هذه الشبهة الملعونة من وجوهٍ شتى بلغت إلى حد الضروريات العامة -ومن ذلك ما ذكرناه من إخبار الله ﷿ بتيسير القرآن- ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر:٥٧]] .
ثم قال ﵀ في الاستدلال على سوء حال هؤلاء، وأنهم إنما مُنعوا فهم القرآن لشيء فيهم: [﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ * وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) * إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ [يس:٨-١١]] .
فقوله تعالى: (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ) المراد بالقول هنا قول الله ﷾ وهو ما سبق في علمه وكتابه من أن هؤلاء لا ينتفعون بالقرآن، (عَلَى أَكْثَرِهِمْ) أي: على أكثر الذين بعث فيهم رسول الله ﷺ.
ويمكن أن يكون المعنى: على أكثر الناس فهمًا، (لا يُؤْمِنُونَ) أي: لا يصدقون ولا ينقادون ولا تطمئن قلوبهم بما جاءت به الرسل، (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا): (في) للظرفية، وتصلح أن تكون بمع
6 / 2