Air Mata Bilyatcu
دموع البلياتشو: مجموعة قصصية تنشر لأول مرة
Genre-genre
هتف به عبد الرحيم وهو يحشر نفسه في المقعد: الجد؟ الله يسامحك.
زعق القصير السمين بعد أن نجح في الوصول إلى باب النزول: سلم لي على بدر! بدأ يستجمع أنفاسه اللاهثة لاستقبال الصور الجديدة التي راحت تزحف عليه وتحتشد في خياله مزاحمة صور الحلم الذي جمعه مع أبيه بعد سنوات طوال من الغياب، وها هو الزميل القصير السمين يفرض نفسه عليه ويضج صوته في أذنيه حتى بعد نزوله من الأوتوبيس، يا له من إنسان غريب: كم التقى به في المكتب أو في الطريق، وكم هرب من دعواته المتكررة لقضاء سهرة حمراء معه أو حتى سوداء، وهو فيما يدعي وما يرويه عنه الزملاء شاعر ومجدد أيضا على الرغم من أن شكله وصوته وحركاته بريئة من كل الصور التي احتفظ بها في ذهنه وذاكرته عن الشعر والشعراء المرضى والحالمين الذين زاملهم أو عرفهم أو سمع عنهم في حياته. قال له وحيد السايح يوما وهو يتدحرج بجواره مثل الكرة الضخمة السوداء التي رأى اللاعب القوي البارع في السيرك يرفعها من الأرض وينقلها بين يديه وذراعيه وكتفيه كأنها كرة من المطاط: أكثر ما يعجبني فيك يا رحيم أنك إنسان بغير طموح.
ضحك عبد الرحيم بصوت مرتفع على غير عادته: وأكثر ما يعجبني فيك أنك وحيد وسايح أيضا.
وقف وحيد فجأة واحتدت لهجته وهو يسأله: تقصد أنه أكثر ما يغيظك في، أن تتصور مثل معظم الزملاء أنني اسم على مسمى؛ سائح في أرجاء الأرض وسماء الشعر مع بنات الهوى وعرائس الخيال، ألم تسأل نفسك أو يسأل أحد منكم ...
قال عبد الرحيم وهو ينظر من أعلى إلى الشاعر الذي يكاد رأسه لا يبلغ كتفيه: ولماذا تسأل؟ يا أخي أنت حر في نفسك.
اندفع وحيد قائلا: كلامك عن الحرية يثبت عكس ما تقوله دائما.
مال عبد الرحيم برأسه ورمقه بنظرة باسمة: وماذا أقوله أو أفعله دائما؟ قال وحيد: إن طموحك الوحيد هو عدم الطموح، يا أخي، هل يرضيك الواقع الذي نعيش فيه كالموتى؟ ألم تفكر لحظة في تغييره؟ ألم ...
ارتفعت ضحكة عبد الرحيم: البركة فيكم يا شعراء، أم أقول يا زعماء ويا ... قاطعه وحيد غاضبا: ألم يخطر ببالك أن تقرأ شعرا؟ ألم تحركك القصائد التي قرأتها علي يوم أخذتك غصبا عنك إلى المقهى الذي أجلس فيه مع أصدقائي؟
اتسع فم عبد الرحيم بابتسامة عريضة هبطت على صاحبه القصير كحجر ينزل من فوق الجبل: أجل حركتني نحو عدم الحركة، أقنعتني بأن يكون طموحي الوحيد هو عدم الطموح.
صاح وحيد يائسا دون أن يشعر أنه يسدد إليه سهما جارحا: يا أخي ألا تحس؟ ألا تفكر؟ ألا تقرأ؟
Halaman tidak diketahui