Din
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
Genre-genre
proton - قد ظهرت الآن مركبة بدورها من نوعين من الكهرباء: موجب وسالب، وثبت أنه من الممكن تحطيمها وفصل أجزائها،
6
وأن القوة الإشعاعية الهائلة التي تستنبط من هذا التحطيم يمكن استخدامها في إصلاح الكون وتعميره، أو في إفساده وتدميره.
هكذا تخلع الطبيعة ثوبها المستعار، وتتكشف المادة عن أصلها الأصيل، فإذا هي «طاقة» أي: قوة مجردة، يلزم البحث عن مصدرها خارج ذلك الهيكل المادي المحطم، وذلك الصنم الساقط المهدم. وهكذا يقترب عالم المادة رويدا رويدا من عالم المجردات، ويكاد يتصل عالم الشهادة بعالم الغيب من جهة حده الأدنى، كما يتصل به من جهة حده الأعلى، وهو غيب يؤمن به العلم وإن لم يره؛ لأنه يحس أثره، ويكاد يلمس خطره.
أجل، لقد أصبح العلم يؤمن اليوم بأن في الوجود قوى لا ينالها الحس المجرد، ولا الحس المجهز بأقوى المجاهر، المزود بأدق المقاييس والموازين، وبالجملة أصبح يؤمن بأن التجربة الحسية بالمباشرة ليست هي المعيار الوحيد للوجود، وهكذا وضع بيده اللبنة الأولى في القاعدة التي تقوم عليها الأديان.
على أن هذا الضرب من التجارب العلمية التي سرحنا فيها النظر مصعدين طورا ومنحدرين طورا، والتي حولت المادة في كلا طرفيها إلى هباء أو سراب، ورجعت بالعلم في كلتا مرحلتيه من الغرور والكبرياء إلى التواضع والاستسلام، هذا الضرب من التجارب لا يمثل من العلم الواقعي إلا جانبه التطبيقي، الذي هو إلى الصناعات والفنون أقرب منه إلى حقيقة العلوم؛ إذ العلم في جوهره ليس تحليلا وتركيبا عمليين، وإنما هو نظرة عقلية تربط النتائج بمقدماتها، وتستنبط القوانين من جزئياتها، وتفسر الموجودات تفسيرا تستسيغه النفس ويطمئن إليه العقل ... ترى هل في طبيعة العلوم التجريبية وطبيعة مناهجها وأدواتها ما يؤهلها للقيام بهذه المهمة على كمالها، بحيث لا تتطلع النفس من ورائها إلى تفسير آخر؟ هيهات، هيهات! (5) التعليل العلمي ينتصر لقضية الغيب في طرفي الأسباب والغايات
لا نكتفي بأن نقول: إن هذه العلوم - حتى في وضعها الحالي الذي سحر الأبصار - لم تكشف من قوانين الوجود إلا جانبا يسيرا، يمتد من خلفه عالم فسيح من الشواذ والأحوال الفردية، التي لا تضبطها قاعدة ولا قانون.
ولا نقنع بأن نقول: إننا، في تلك الحدود الضيقة نفسها، متى جاوزنا عالم المواد الأولية الساذجة إلى حيث تشتبك العناصر والعوامل، وتتعقد العلائق والمشاكل خرجت قوانين العلم عن صرامتها ودقتها، وأصبحت ضربا من التقريب المبني على حساب الاحتمالات الغالبة، والذي إن صدق في متوسطه الحسابي فإنه يدع الأطراف تتراجع في تقلب وتذبذب، بين مد وجزر، هذا إجمال له تفصيل يعرفه كل من زاول علوم الحياة والنفس والاجتماع وأشباهها.
بل نقول بلسان علوم الطبيعة نفسها: إنه لم يوجد ولن يوجد فيها قانون عام واحد يعتمد على منهج تجريبي يقيني شامل؛ ذلك أنه مهما تتكرر التجربة، وتتنوع الأمثلة، فإنها كلها أحداث معينة تقع في أزمنة معدودة، وأمكنة محدودة، ويظل بين جملتها وبين منطوق القانون الكلي، الذي لا يحده زمان ولا مكان، برزخ عريض يفصل ما بين «النهائي» و«اللانهائي»، وإنه لكي يسد العلم هذه الفجوة يلجأ دائما إلى «وسيلتين» من الرفو والترقيع، ينسج خيوطهما من مقايسة ذهنية تعتمد على محض الظن والتمني: أما في «أولاهما» فإنه يمد بين كل معلمة ومعلمة من معالم التجربة الفعلية جسورا وهمية قصيرة
Interpolation
Halaman tidak diketahui